د. مانيا سويد.. مئة عام في فضاء السينما والأدب
على الرغم من إقامتها في الإمارات العربية وعملها في تدريس مادة الإعلام في عدة جامعات فيها، وهي التي تحمل شهادة الدكتوراه في الصحافة، إلا أن د. مانيا سويد تكاد لا تغيب عن دمشق، وتحرص دوماً على تواجدها ومتابعة سير عمل دار نشرها “سويد”، ويُحسب لها وهي التي في رصيدها 30 إصداراً في القصة والرواية والإعلام والدراسات وأدب الطفل ومسرحه رحلتها التي استغرقت مئة عام في فضاء السينما والأدب عبر كتابها “سينما وأدب في 100 عام 1915-2015” الذي عدّه كثيرون وثيقة أكاديمية.
سويد بيّنت أن شغفها بالسينما بدأ منذ ربع قرن، حين وجدت نفسها للمرة الأولى تطبق بيدها على بطاقة دخول إلى إحدى دور السينما دون أن تكون بصحبة أحد، لتغرق في عالم أخذها من اليابسة إلى الماء ثم إلى الفضاء دون أن يخطر لها أنها ستكتب عن هذا العالم السينمائي العجيب، مشيرة إلى أنه لم تمضِ السنون دون أن يمرّ يوم لا ترى فيه فيلمين أو ثلاثة في صالات العرض السينمائي حيناً وعلى شاشات التلفاز ومن خلال المواقع الإلكترونية في أحيان أخرى، ثم جاءت الفكرة: لماذا لا تشهد عقد قران بين السينما والأدب شغفها الأول، وهما اللذان ارتبطا معاً برأيها منذ أن ولدت السينما، فقرّرت في منتصف عام 2013 أن تبني لهما بيتاً يجمعهما ليكون الشاهد على تلك المزاوجة الناجحة، موضحة أن هذا الكتاب رحلة عبر الزمن انطلقت في العام 2015 من إقليم الباسك في شمال إسبانيا بصحبة “كارمن” العرس الأدبي السينمائي الأسطوري الصامت، وقد أضفى صمته عليه سحراً لأن المتابع كان عليه أن يشاهد ويقرأ وكأنه يقراً أدباً مرئياً أو يشاهد سينما مروية، ثم حطّت رحلتها في 2015 على كوكب المريخ وعند من قرّر أن يحيا، حيث لا يوجد أي مقوم من مقومات الحياة عبر فيلم “المريخي” بما حواه من صنعة سينمائية وصياغة روائية تمثلان وجهاً آخر وعرساً حديثاً للارتباط الأدبي السينمائي برأيها. ونوّهت سويد بأنها انتقلت عبر رحلتها التي استغرقت مئة عام في فضاء السينما والأدب من محطة إلى أخرى، وفي كلّ وقفة كانت تكتشف صوراً من الانسجام والتناغم بين هذين اللونين من ألوان الإبداع، مكتشفة أنهما كوّنا معاً فناً جميلاً له نكهته ومذاقه الخاص، ومؤكدة أن رحلة المئة عام تلك لم تكن كلها مثيرة وممتعة حيث تسرّب الملل إليها في بعض اللحظات التي كانت تشاهد فيها الأسماء والتواريخ، وهو أمر لا يمكن تخطيه أو تجاوزه برأيها، لأنه من الضرورات المبررة لإيفاء أصحاب الأسماء من أدباء ومخرجين وممثلين وغيرهم من المبدعين حقهم من الذكر، فهم الأبطال الحقيقيون لرحلة المئة عام، مع تأكيدها أنه في كل محطة من المحطات المئة سيجد القارئ شيئاً جديداً ومفيداً، وسيعرف مع كلّ وقفة أن ثمة تفسيرات لمشاهد ومواقف أدبية سينمائية مرّت وقت ظهورها مروراً سريعاً دون أن نمتع أنفسنا بما تحمله في عمقها من جماليات ومعانٍ.
رحلة هوليوودية
لم تخفِ سويد أن هذه الرحلة في هذا الكتاب كان غريبة الملامح، ولم يكن لسحر الشرق نصيب فيها، فقد كانت رحلة هوليوودية في نكهتها السينمائية غربية في مذاقها الأدبي، وقد يكون هذا برأيها من وجهة نظر البعض تقصيراً وجحوداً بحق السينما والأدب الشرقيين عموماً والعربيين خصوصاً، مع تأكيدها على انطلاقتها قريباً في رحلة سينمائية أدبية شرقية عربية، مبيّنة أن عملية المزاوجة بين السينما والأدب بين دفتي كتاب واحد تتطلّب بحثاً مضنياً عن منابع معرفية يمكن أن تستقي منها ما تودّ تسطيره من بيانات ومعلومات معينة، وقد وجدت ثراء مرجعياً بالنسبة للسينما والأدب العالميين عموماً والغربيين خصوصاً، حيث تعدّدت وتنوعت مصادر البيانات والمعلومات، في حين كانت تصادف شحاً نسبياً في تلك المرجعيات والمصادر بالنسبة للسينما والأدب الشرقيين عموماً والعربيين خصوصاً، فآثرت اختيار المتوفر، متعجّلة رؤية وليدها الأدبي السينمائي الأول وإن كان غربي الملامح، على أن تتحلّى بالمزيد من الصبر الذي يتطلبه الجهد الذي يفرضه شحّ المصادر كي ترى الوليد الثاني شرقي الملامح، أما السبب الثاني فلأنها أرادت بهذا الكتاب أن تبعث رسالة أنانية إلى المجتمعات الغربية مفادها أننا قادرون على قراءتهم وفهم فكرهم وتفسيره واستنباط تلميحاتهم وقراءة تلويحاتهم، ونعلم ما في بواطن صفحاتهم الأدبية ومشاهدتهم السينمائية ونستشعر ما فيها من جماليات، فنفيها حقها من الثناء وما فيها من قبح، مع إشارتها إلى أن ما يضمّه هذا الكتاب من محطات أدبية وسينمائية هو في الحقيقة ما تيسّر وليس كل الموجود، حيث من الصعب أن نضع مؤلفاً واحداً يضمّ جميع العظماء من الأدباء والسينمائيين، فكان الاختيار فيه ليعبّر عن ذوق شخصي ولا يعبّر بالضرورة عن الأفضل، وهناك أدباء وسينمائيون لم تنل سويد متعة الكتابة عن إبداعاتهم، لكنهم من المبدعين الذين حفظ لهم التاريخ مكانتهم، متمنية أن يأتي يوم تستمتع فيه بالكتابة عنهم جميعهم، مبيّنة أنها اختارت الأفلام المقتبسة من عمل أدبي متميز كرواية أو قصة أو سيناريو أصلي لأنها من المؤيدين لاعتبار السيناريو من الأعمال الأدبية، وإن كان يحتوي على تقنيات سينمائية وتلفزيونية، وجمعت في عرضها للأفلام بين السرد والتحليل وفي بعض الأحيان النقد والجانب الأدبي، مشيرة كأديبة وقارئة إلى أن بعض الأفلام أكدت لها أن المعالجة السينمائية تفوقت على المعالجة الأدبية وزادتها عمقاً على الرغم من ذيوع صيت مبدع العمل الأدبي مثل مسرحية تينسي ويليامز “عربة اسمها الرغبة” التي تفوق فيها الفن السينمائي من وجهة نظرها على الإبداع الأدبي بفضل عمق تجربة المخرج إيليا كازان، وموهبة بطليّ الفيلم مارلون براندو وفيفيان لي، وهذا الرأي الشخصي لها لا يقلّل مطلقاً من قيمة الأديب العالمي تينسي ويليامز.
أمينة عباس