74 عاماً على النكبة.. والمقاومة مستمرة
د. معن منيف سليمان
تعدّ نكبة فلسطين، عام 1948، من الأحداث الجسام والمفجعة التي لا تزال ماثلة في الوعي العربي والفلسطيني بشكل خاص، فالفلسطينيون يواصلون المقاومة والصمود والعيش في ظل نتائجها التي شملت التطهير العرقي والهجرة القسرية والقتل والإبادة الجماعية والتدمير وتهويد المدن والأماكن المقدّسة منذ ذلك العام إلى اليوم.
ففي يوم 15 أيار 1948، أي بعد يوم من انتهاء الانتداب البريطاني رسمياً عن فلسطين، أعلن المجلس القومي اليهودي عن إقامة ما يُسمّى “إسرائيل”، وعن عمل المجلس كحكومة مؤقتة برئاسة الإرهابي ديفيد بن غوريون، فكان ذلك اليوم المشؤوم نكبة وفاجعة حقيقية ألمت بالعرب الذين يحيون ذكراها كل عام لشحذ الذاكرة العربية، وتسليط الضوء على جريمة بحق الإنسانية، طالما سعى العدو الصهيوني إلى إخفائها والتعتيم عليها طيلة العقود السالفة.
لقد نجم عن تأسيس الكيان الإرهابي الصهيوني في فلسطين مذابح ارتُكبت بحق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين، فعشية احتلال فلسطين قامت العصابات الصهيونية بعدد كبير من المذابح والمجازر في سبيل إقامة الكيان الإرهابي، وترويع الفلسطينيين ودفعهم لترك أراضيهم وممتلكاتهم حتى يتسنى للصهاينة الاستيلاء عليها.
وتأتي في مقدمة القضايا العالقة منذ النكبة قضية عرب 1948، وسياسة التطهير العرقي والعنصرية التي يمارسها الكيان الإرهابي بحق الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم ولم يبرحوها، ويُقدّر عددهم بنحو مليون وثلاثمئة ألف فلسطيني، وهم يتوزعون على مناطق الجليل الأعلى والأدنى: في الناصية وسخنين وعرابة وأم الفحم ودير حنا، وفي المنطقة الساحلية: في عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، وفي منطقة النقب، حيث يعانون أبشع أنواع التمييز العنصري. وعلى الرغم من فرض ما يُسمّى “الجنسية الإسرائيلية” عليهم، لا يستطيعون إلا أن يدركوا أنه ينظر إليهم كمشكلة بالنسبة للكيان الإرهابي، فمن اليسار إلى أقصى اليمين الصهيوني هناك إجماع على التخلص من عرب 1948. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ من التمييز العنصري، فقد تصاعدت وتيرة التطرف إلى حدّ بعيد بحيث وصل إلى المطالبة بترحيلهم وطردهم من ديارهم، إمعاناً في سياسة التطهير العرقي التي ينتهجها الكيان الإرهابي في سبيل تحقيق فكرة يهودية “إسرائيل”.
وفي هذا الإطار من التفكير العنصري، تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى ترحيل عرب 1948، من ديارهم، ذلك أن الزيادة الديمغرافية لهؤلاء باتت تشكل هاجساً للصهاينة الذين لم يخفوا قلقهم من خطورة هذه الزيادة على مستقبل كيانهم، ولذلك يسعى هؤلاء ليس إلى طرد عرب 1948 فحسب، وإنما إلى طرد أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة لتحقيق الأهداف الصهيونية العنصرية بـ”إسرائيل” يهودية خالية من أي وجود عربي فيها. ولكن على الرغم من ذلك كله، فإن عرب فلسطين ما زالوا يواصلون صمودهم، ولم يستطع الكيان الإرهابي الصهيوني منذ سنوات طويلة حفلت بممارسة القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنصرية وغيرها من الأساليب الإجرامية البشعة التي تتنافى مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية، اقتلاع مقاومتهم للاحتلال الصهيوني، فالمقاومة مستمرة منذ عقود والانتصارات متتالية. كلّ ذلك قضى على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ومعها بدأ العدّ التنازلي للمشروع الصهيوني الذي سيسقط بفعل صمود المقاومة، وعوامل التاريخ وقوانينه الموضوعية.