المسرحي تمام العواني في انطباعات حول المونودراما: فن نرجسي ونخبوي
يعتبر فن المونودراما المستحدث نسبياً في المسرح العربي أحد أكثر الأنماط الفنية التي أثارت جدلاً، وتعرّضت للتشكيك في مشروعيتها كجنس فني قائم بذاته، ومحققاً شروط العرض المسرحي رغم التجارب المهمّة التي اشتغل عليها كبار المسرحيين العرب أمثال اللبناني رفيق علي أحمد والفلسطيني زيناتي قدسية، والسورية مها الصالح، وقبلهم المغربي الرائد في هذا المجال عبد الحق الزروالي، أحد مؤسّسي أول مهرجان للمونودراما في الوطن العربي، والتونسي محمد إدريس، وغيرهم الكثير، ممن سعوا لخلق هوية ومشروعية وألق لهذا النمط المسرحي يخالف رأي المسرحي الانكليزي الشهير بيتر بروك الذي كان يقف في الضد تجاهه، إذ كان يرى “أنها تفقد المسرح الكثير من ألقه ووهجه الخاص، لأنها تعتمد الممثل الواحد الذي ينبني عليه العرض بأكمله، فلا تفاعل بين ممثل أول وممثل ثانٍ ضمن ثنائية الأخذ والردّ، التي تؤسّس لفعل درامي حقيقي على الخشبة”.
حول هذا الموضوع كانت محاضرة للمسرحي تمام مصطفى العواني صاحب التجربة الطويلة والغنية على المستوى الحمصي تحديداً والسوري عموماً، حيث قدّم أكثر من ستة عروض مونودرامية، وشارك في أحد أهم مهرجانات المونودراما في الوطن العربي هو مهرجان الفجيرة الدولي في الإمارات العربية المتحدة، فقد قدّم في هذه المحاضرة التي نظمتها رابطة الخريجين الجامعيين انطباعاته حول هذا النمط المسرحي، استهلها بسؤال يقف عند سبب نفور الجمهور من هذا الفن “الوحداني” كما يحلو للبعض وصفه، ويعزو العواني ذلك إلى استسهال العديد من الفنانين هذا النوع من المسرح، حيث اشتغل عليه مسرحيون كثر، لكن قلّة هم من استمروا وأثبتوا وجودهم في هذا المضمار، وجعلوا من المونودراما مشروعهم.
وحول نجاح العرض المونودرامي، يرى العواني أنه يحتاج كاتباً ماهراً وخلّاقاً، وممثلاً يمتلك أدوات التمثيل وخبرة التفرد بالنص، وكذلك يحتاج مخرجاً منظماً أفعال الممثل على الخشبة.
يعتبر العواني المونودراما فناً قائماً بذاته، لكنها لم تقدّم في بلادنا كما يجب إلا ما ندر، وقد يعود ذلك إلى وجود ممثلين يقدمونها لكي ينظر الناس إليهم لا أكثر، وهم ما يُطلق عليهم تسمية “الممثل المميت” الذي يفتقر لملكة الإدهاش والموهبة ويستسهل المونودراما.
ويسعى العواني في انطباعاته للتفريق بين المونولوج والمونودراما اللذين يخلط البعض فيما بينها في مغالطة كبيرة، حيث يعتبر المونولوج مقطعاً من مسرحية، في حين المونودراما هي عرض متكامل قائم بذاته، ويذكر مثالاً على ذلك نص “حال الدنيا” العرض المدهش الذي قدّمه زيناتي قدسية بالشراكة مع ممدوح عدوان. وهناك من رفض اعتبار المونودراما مسرحاً، لأنه فنّ ساكن وسردي لا صراع فيه، عادوا للكتابة بهذا المجال، ومنهم المسرحي الكبير فرحان بلبل الذي كتب عنها في قضايا وشؤون المسرح.
وقدّم العواني في محاضرته لمحة تاريخية عن هذا الفن الذي عرف بدايته شعراً مع المسرح اليوناني، ثم جاء الكاتب الفرنسي جان جاك روسو صاحب نص “بجمالون”، ثم تشيخوف في فصل من مسرحية “مضار التبغ”.
وفي البلدان العربية يعتبر خيري الكراد أول من كتب نص مونودراما، ثم الكاتب المغربي عبد الحق الزروالي أول من قدّم نصاً مسرحياً، جاء بعده أمين أبو بكر ناقد مسرحي قدّم عرضاً جديداً في مصر، وفي سورية اشتغل فواز الساجر مع أسعد فضة في “يوميات مجنون”، لكنها لم تحقق شروط المونودراما التي تتطلب شخصية متفردة ومأزومة، كما تحققت في عرض “حال الدنيا” لممدوح عدوان وزيناتي قدسية، فكانت التشاركية العامل المهمّ التي قدمت هذا الفن.
يعتبر العواني كلّ من ترك المونودراما لا يمتلك مشروعاً فيها، باستثناء قلّة على رأسهم زيناتي قدسية الذي بقي رائداً في هذا المجال.
وعن خصائص المونودراما، يرى أنها تعتمد على شخصية واحدة يكون حضورها فعالاً، يعتمد عليه الكاتب والمخرج في تنامي الحدث وتصعيده من خلال ما يخلقه التصادم بينه وبين الآخر الغائب، وهي فنّ نرجسيّ نخبويّ يجب على المتلقي أن يرتقي إلى سويته لا أن يهبط المسرح إلى سوية المتلقي، وخاصة في نمط المونودراما، فهو مع العرض الذي يقدم أفكاراً ويحقّق عنصر الإدهاش.
آصف إبراهيم