قضية تستوجب المعالجة.. كثير من المواد الاستهلاكية وهدر كبير في الإنفاق!
عبد اللطيف شعبان
واقع الحال يُظهر استمرارية تفاقم الشكوى الأسرية من تصاعد الأسعار وتزايد الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير، وظهور تناقص متتالٍ في عدم كفاية نسبة كبيرة من شرائح الراتب للحاجات الاستهلاكية، قياساً بحجم الإنفاق القائم، خلافاً لما كان في عقود السنين الماضية، يوم كان الراتب يسمح ببعض الادخار والاستثمار.
ورغم أن هذه الشكوى في مكانها حقاً، إلا أنه يجب ألا يغرب عن بال أكثر الشاكين من ضعف راتب هذه الأيام، أن جزءاً كبيراً من الراتب يتمّ صرفه على مواد استهلاكية غير معهودة في الزمن الماضي، ومن يعبر أمام وداخل المحلات التجارية من الذين أدركهم العمر، يرى الكثير من المواد الاستهلاكية المعروضة – والتي يستجرها قسم كبير من المستهلكين يومياً أو بين فترة وأخرى – غير معهودة الوجود قديماً في السوق، ومن غير المعهود استهلاكها سابقاً لدى المواطن السوري، وحقيقة الأمر لا حاجة ماسة وضرورية لكثير منها، ولكن إنتاج هذه المواد بأشكال متعدّدة، وعرضها بطرق مغرية أسّس لتحفيز المستهلك على شرائها، وكرّس تتالي اعتياد المستهلك على استهلاكها خلال العقود الماضية، وأسّس لصعوبة العزوف عن استهلاكها، وخاصة المشروبات (المتة والقهوة والشاي والمشروبات الغازية والكحولية والسجائر والأركيلة..).
كما يترافق مع هذا الإنفاق نفقات اتصالات الخليوي الكبيرة والتي تشمل أكثر من فرد واحد في ملايين الأسر، والعديد من الحاجات التي تخصّ الأطفال والطلاب والنساء، فحليب الأطفال المرتفع الثمن والحفاضات لم تكن حاجة أسرية في ماضي السنين، كما أن كثافة ألعاب الأطفال المتعدّدة الأشكال والأنواع، والمستورد معظمها من الخارج، تفرض على كثير من الأهل تلبية طلب الطفل الذي يلمح اللعبة أمام المحل التجاري ويتمسّك بها ذاتياً، وظهور انتشار ألعاب ضارة بلاعبها ومزعجة جداً لغيره، وليست الألعاب النارية الموسمية المثال الوحيد، فلعبة الكرات الطقطاقة والأقراص الدوارة سريعة الانتشار، ناهيك عن تعدّد أشكال وأحجام وأنواع ومحتويات قطع حلوى الأطفال، والذي أصبح قيمة القطعة لكثير منها يفوق راتب موظف الفئة الأولى أيام ستينات القرن الماضي، وأصبح من المعتاد شراء قطعة أو أكثر يومياً لكل طفل لدى ملايين الأسر، ولا يغيب عن البال أضرار المواد الحافظة الداخلة في تصنيعها.
ولنتوقف قليلاً عند الهدر الإنفاقي الكبير من دخل كلّ أسرة على التعليم الخاص لأبنائها، هذا الإنفاق الإضافي الرديف لإنفاق وزارة التربية المفترض أن يكون كافياً ووافياً، فنسبة كبيرة من الأسر السورية لديها إنفاق كبير من دخلها على أجور ساعات التعليم الإضافي لأبنائها في كل المراحل الدراسية، وعلى الكتاب الخاص الرديف المسمّى محلولاً لكل مادة، وعلى كلفة التصوير الورقي لمحاضرات وبحوث طلبة الجامعات، وأكثر ما لفت انتباهنا الأشكال المتعددة والزخرفات الكثيرة للأدوات المدرسية (الحقيبة المدرسية – المقلمة – عبوة المياه – الدفتر المدرسي..) هذه الزخرفات الكثيرة والكبيرة المرتفعة الكلفة، الغريب فيها تلك الصور المطبوعة عليها والتي أغلبها – مناظر أو تعابير – بعيدة كلّ البعد عما يجذر الثقافة الوطنية المتوافقة مع عطاءات المواطن وتضحياته وطلباته وهمومه!.
أليس من العيب والعجيب أن تكون قيمة نسبة كبيرة من أنواع الدفاتر المدرسية بآلاف الليرات السورية، ومن يتمعّن في كثير من أنواع هذه الدفاتر يرى أن كلفة الغلاف وحده – لبعضها – من كرتون وشريط وطباعة صور تكاد تزيد عن ربع كلفته، ومن المؤكد أن هذا الغلاف مآله التلف مع انتهاء كتابة الدفتر، والمشكلة الكبرى أن أعداداً غير قليلة من طلاب الأسر الفقيرة يشترون هذه الدفاتر المرتفعة القيمة تباهياً أمام زملائهم، على غرار إقبال الكثيرين منهم للدروس الخصوصية والمحاليل قياساً بأبناء الأسر الغنية، والسباق لتحصيل أعلى العلامات.
والمؤسف أن هذا الإنفاق الاستهلاكي الأسري المتوجّب التوجيه والإعداد والاستعداد للاستغناء عن الكثير منه، يوازيه إنفاق إنتاجي مماثل كثير الضرر، يتمثّل بالمبالغ الكبيرة التي يصرفها بعض المنتجين على حالات الغش في بعض المنتجات الغذائية، ويتضح ذلك من خلال عشرات الضبوط التموينية في أكثر من محافظة، هذه المبالغ التي يتحمّلها المستهلك وتعود عليه بالضرر الأكيد، والمؤسف جداً تلك المبالغ الكبيرة التي يصرفها بعض المنتجين أو المستوردين على غش الأدوية والمبيدات الزراعية والبذور والأسمدة والعلف، ناهيك عن المبالغ التي يصرفها المستهلكون كفروق أسعار عندما يضطر بعضهم لشراء مستلزماتهم الاستهلاكية أو الإنتاجية من السوق السوداء، بأسعار تزيد كثيراً عن السعر الحقيقي، فأبواب الإنفاق الكبيرة الجديدة مدخل لمزيد من شكاوى نقص الراتب، وخفض الإنفاق يؤسّس لخفض حجم شكوى ضعف الراتب، الواجبة المعالجة في أكثر من طرف.
* عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية