ثقافة الإفلات من العقاب!
سمر سامي السمارة
ناشدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، يوم الجمعة الماضي، الجيش الأمريكي لإضفاء الأولوية لحماية المدنيين الصوماليين. وتأتي هذه المناشدة رداً على سماح الرئيس بايدن بإعادة نشر مئات من جنود العمليات الخاصة في الدولة الأفريقية التي مزّقتها الحرب، حيث قتلت طائرات أمريكية بدون طيار وغارات جوية أخرى العشرات على الأقل، من المدنيين في العقود الأخيرة.
وبدورها أكدت المنظمة أنه “يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين أن يكونوا شديدي الوضوح، بشأن الكيفية التي ستتجنّب بها قواتهم إيذاء المدنيين الصوماليين أثناء العمليات العسكرية”.
وكان السكرتير الصحفي للبنتاغون جون كيربي أعلن في وقت سابق من هذا الأسبوع أن “تأسيس وجود عسكري أميركي مستمر في الصومال” مكوّن من 500 جندي تقريباً، سيعود إلى الصومال بعد مضي ما يزيد على 17 شهراً من أمر سلفه دونالد ترامب بسحب نحو 750 جندياً أمريكياً، كانوا في البلاد لدعم ما يُسمّى بالحرب على الإرهاب تحت قيادة الولايات المتحدة في أفريقيا “أفريكوم”.
ومن الجدير بالملاحظة أن الولايات المتحدة، التي كانت تستهدف “جماعة الشباب الإسلامية” المتشدّدة التابعة للقاعدة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قصفت الصومال في شهر شباط الماضي.
وفي بيان مكتب القرن الأفريقي في منظمة “هيومان رايتس ووتش”، قالت مديرته ليتيسيا بدر: “يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين أن يكونوا شديدي الوضوح، بشأن كيفية تجنّب قواتهم إيذاء المدنيين الصوماليين أثناء العمليات العسكرية، كما سيتعيّن عليهم العمل عن كثب مع السلطات الصومالية وسلطات الاتحاد الأفريقي لتجنّب تكرار انتهاكات قوانين الحرب السابقة والردّ بسرعة وبشكل مناسب على الخسائر في صفوف المدنيين”.
وبحسب مكتب الصحافة الاستقصائية في لندن، نفّذت الولايات المتحدة ما لا يقلّ عن 200 غارة جوية، بطائرة بدون طيار وعدداً غير محدّد من عمليات القصف الجوي الأخرى على الصومال منذ عام 2004. وتقول منظمة “إيروارز” ومقرها المملكة المتحدة، إن ما يصل إلى 143 مدنياً صومالياً لقوا حتفهم بطائرات أمريكية بدون طيار وطائرات حربية منذ عام 2007.
كما أفادت “هيومن رايتس ووتش” أنه في انتهاك واضح لقوانين الحرب، أسفرت الغارتان الجويتيان اللتان شنّتهما الولايات المتحدة، في 2 شباط و10 آذار 2020، عن مقتل سبعة مدنيين. بينما أقرّت القيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” بمسؤوليتها عن حادث 2 شباط الذي أسفر عن مقتل امرأة وإصابة شقيقتيها، وكلاهما طفلتان، ومصرع جدتها، لكن أياً منهن لم تحصل على تعويض!.
في السنوات الأخيرة، نشرت “أفريكوم” تقارير ربع سنوية لتقييم الخسائر المدنية، ولكن النتائج كانت أقل بكثير مما هو مطلوب لضمان عدالة ذات مصداقية للضحايا.
وأعربت بدر عن أسفها لأن “ثقافة الإفلات من العقاب على الخسائر المدنية تولّد الشعور بالاستياء وعدم الثقة بين السكان، وتقوّض الجهود المبذولة لبناء دولة أكثر احتراماً لحقوق الإنسان”، مضيفة أنه “على الرغم من إدراك إدارة الولايات المتحدة الحاجة إلى إجراء تحقيق ذي مصداقية وتعويض المدنيين عن الأضرار التي لحقت بهم، لكن الجيش لم يحوّل ذلك إلى واقع”. وختمت المنظمة أنه يجب إدراج الصومال في خطة العمل للتقليل والاستجابة للأضرار المدنية التي أعلن عنها وزير الدفاع لويد أوستن في كانون الثاني الماضي وسط ضغوط متزايدة على البنتاغون لحساب العدد الكبير من المدنيين الذين لقوا حتفهم بالقنابل والأعيرة النارية الأمريكية.
خلال أكثر من 20 عاماً من الحرب على الإرهاب، قتل الجيش الأمريكي مدنيين أكثر من أي قوة مسلحة أخرى على هذا الكوكب. وبحسب نتائج دراسة قدّمها “مشروع تكاليف الحرب” في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، قُتل ما يقرب من 400 ألف مدني من الرجال والنساء والأطفال في الحروب التي قادتها الولايات المتحدة بعد 11 أيلول.