قوانين الانتقال إلى نظام عالمي جديد
د. مهدي دخل الله
تركز التعليقات التي تتعامل مع العملية الروسية في دونباس وأكرانيا على المنعكسات السياسية والعسكرية ، لكن الجهد المبذول لإيضاح القوانين التقنية للانتقال من نظام عالمي إلى أخر مازال جهداً ضعيفاً .
ما يأتي محاولة لإيضاح هذه ” القوانين ” ….
1- قانون المحدودية التاريخية للنظام السائد ، أي أن شروط استمراره تكون قد انتهت لأسباب موضوعية من أهمها الأتساع المتزايد لساحة سيطرته وما يخلفه ذلك من تناقضات متصاعدة تجعله أضعف من التعامل معها بحكم منطق الوجود . هذا المنطق يقول أن الإنسان القوي يستطيع حمل مائة كيلو مثلاً لكن مع كل زيادة تتناقص قدرته وصولاً للانهيار ..
2- قانون تصاعد قدرات مراكز أخرى . وهذا القانون نتاج طبيعي للقانون السابق ، فمع كل تناقص في قدرة مركز ما يظهر تصاعد في قوة مركز آخر بالضرورة . إنه منطق ” ملء الفراغ ” لأن العلاقات الدولية لا تتقبل الفراغ ..
3- قانون النمو غير المتوازن للقوى .. بمعنى أن وتيرة نمو القوى غير متساوٍ. فبعض القوى تنمو بوتيرة أكبر وغيرها بوتيرة أقل ، ثم تأتي نقطة تسبق فيها الأولى الثانية .
4- قانون ” بؤرة الانفجار ” . يؤكد هذا القانون وجود منطقة محددة تتفاقم فيها التناقضات بين مراكز النظام القديم ومراكز النظام الجديد . إنها تشبه تلك النقطة على الحلبة التي يتخطى فيها المتسابق المتأخر المتسابق المتقدم ويسبقه .
لكن هذه ” النقطة ” تكون فعالة وليست منفعلة ، بمعنى أن ” أهل النقطة ” يفجرون بإرادتهم التناقض الرئيسي بين المتسابقين . عندما انتقل النظام العالمي القائم على التحالف ضد النازية (1942 – 1951) إلى نظام عالمي جديد (ثنائي القطب) كانت شبه الجزيرة الكورية بؤرة الانفجار . حصدت الحرب الكورية أكثر من مليون ومئتي ألف ضحية ومازالت البلد مقسومة إلى قسمين حتى اليوم .
أما نقطة الانفجار والانتقال من ثنائي القطب إلى أحادي القطب فكانت يوغسلافيا (1992 – 1996). المحصلة أكثر من مليون ضحية وتقسيم البلد إلى سبع دول بعضها أعضاء في الناتو والأخرى تميل إلى روسيا (صربيا) ..
الانتقال من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب انفجر في سورية أولاً ثم في أكرانيا . صمود سورية المدهش وتصديها أنقذها من أن تكون مادة للتقسيم ككوريا ويوغسلافيا .. والآن أكرانيا . هذا التميز السوري يحق لنا أن نفخر به .