مجلة البعث الأسبوعية

الكاتب الدرامي عثمان جحى: الدراما مرآة الواقع وواقعنا حالة فريدة

البعث الأسبوعية-أمينة عباس

يُعد من أكثر الكتّاب انشغالاً بالكتابة الدرامية وفي رصيده عدد كبير من الأعمال التلفزيونية التاريخية والمعاصرة السورية المهمة مثل “صدق وعده،  رابعة العدوية، زوال، دامسكو، هارون الرشيد، أولاد البلد، وثيقة شرف” وكثيرون يرون أن الانطلاقة الحقيقية له في عالم الدراما كانت من خلال مسلسل “باب الحارة” في جزئه السادس عام 2014.

* غبتَ عن الموسم الدرامي الرمضاني، فما هي الأسباب؟

**غيابي عن هذا الموسم عائد إلى شروط العرض، فقد كتبتُ عملين وصوّرا هما “ولاد البلد” و”وثيقة شرف” ولكن كان عرضهما مشفّراً.. هكذا هي شروط المنصات.

*ككاتب بالدرجة الأولى وكمشاهد بالدرجة الثانية ما تقييمك للمشهد الدرامي خلال موسم رمضان؟

**كان الموسم الدرامي لرمضان الفائت موسماً مبشّراً، وأستطيع القول أننا عدنا للغوص في سوريتنا ومشاكلنا، وحاولتْ معظم الأعمال أن تكون صادقة، فوصلت إلى الجمهور وتخطّت الحدود.. هذا عن رأيي ككاتب، أما عن رأيي كمُشاهد فقد استمتعتُ بما شاهدتُه من أعمال محلية، بالإضافة إلى الأعمال العربية.. لقد كان موسماً حافلاًوأرجو أن يستمر هذا الوضع في المواسم القادمة.

*ما الذي ساعد على تلك العودة؟ وعلى ماذا يتوقف استمرار تألق الدراما السورية برأيك؟

**سببُ عودةِ الدراما ولو نسبياً هذا العام رفعُ سقف الرقابة أو عودة الرقابة للتعاطي مع النص الدرامي بواقعية أكثر، فهذه النصوص ظهرت للنور ولاقت صدى طيباً، والسوري يحب أن يرى نفسَه ويحلل مشاكلَه، وهذا لم يكن في الأعوام التي تلت الحرب، واستمرار تألق الدراما يحتاج إلى ترسيخ عوامل النجاح، وأهمها الانطلاق من رسم الواقع السوري، إذ لا انتشار عربي دون انتشار محلي، والنجاح يبدأ من الداخل السوري، وعلى الجميع المساعدة في عودة الكوادر السورية ليس في الفن والدراما فحسب بل في كل المجالات، وعلينا إيقاف نزيف الطاقة البشرية السورية حتى يقوم السوري وينهض ويبني.

*ما الذي جعلك تصرّح في أحد حواراتك أن كارثة الدراما السوريّة على كل المستويات هي الرقابة؟

**الرقابة منخفضة السقف كارثة، والفن لا يُقيَّد ولا يُؤطَّر، والرقابة في الاعوام السابقة شكَّلت عائقاً كبيراً أمام تطور الدراما، وفي هذا العام بدأت الرقابة تجاري الدراما وتتفهم متطلبات العرض، وفي أول موسم لها منذ زمن طويل استطاعت الدراما السورية تحقيق نجاح ملفت.. الدراما مرآة الواقع، وواقعنا حالة فريدة، وتصويره وعرضه يحتاج إلى مساحة حركة علينا أن نعمل جميعاً لإيجادها.

*حاولت معظمُ أعمالِ الموسم الحالي أن تنهل من الواقع،فما هي الأخطاء التي وقع فيها كتّابها برأيك؟ وكيف تتعامل مع الواقع في كتاباتك؟

**الكتابةُ الدرامية وجهة نظر في رؤية الواقع، وبمعنى آخر قد يرى الكاتب الواقعَ من زاوية معينة، وقد تحجب هذه الزاوية جزءاً من الرؤية، فتغدو الصورة ناقصة، ولكن ما أودّ قوله هو أننا في حالتنا السورية سبق الواقع الدراما بمراحل كبيرة، ومهما حاولنا ككتّاب أو عاملين في الفن اللحاق به فلن نستطيع لأن الصورة التي نود رسمها غير مكتملة، وأنا عندما أريد أن أكتب عن الواقع ألتقط لحظةً وأضيء عليها لأنني لن أستطيع إحاطة الواقع، فمشاكلنا أكبر من الدراما والفن.

*تابعْنا الخلاف الذي حدث بين الكاتب فادي قوشقجي والقائمين على مسلسل “على قيد الحب” بعد عرضه.. برأيك ما هي حدود كل من الكاتب والمخرج في التعامل مع النص؟

**المخرج ليس مخوّلاً بنسف النصأو تعديله دون الرجوع للكاتب، وليس لهالحق في تغيير مصائر الشخصيات إلا بالاتفاق مع الكاتب، كما أنه ليس للكاتب الحق في الاعتراض على المنتَج بصورته الأخيرة بعد أن رفض القيام بالتعديل.. ولكن يجب القول أن حالة التناغم بين المخرج والكاتب ضرورية لنجاح أي عمل.

*تعاملتَ مع مخرجين كبار من خلال نصوصك،فمن الذي أجاد تقديم صياغة فنية عالية المستوى للنص؟

**كل مخرج تعاملتُ معه آمنتُ بشراكته، ولكل مخرج إيجابياته وسلبياته، وأنا مع المخرج أتناقش كثيراً في النص.

*قمتَ بكتابةِ مسلسل “باب الحارة” في جزأيه السادس والسابع،واليوم بعد أن وصل عدد أجزائه إلى 12 ما تقييمك ككاتب لما وصل إليه؟

**الحديث عن “باب الحارة” في هذا الوقت هو مضيعة للوقت والجهد، إذ لا جدوى من الحديث عن عمل ميت.. والمطب الأكبر أنه وصل إلى الجزء ١٢ وكتابة البيئة الشامية سلاح ذو حدّين.

*جزء ثانٍ لـ “أولاد البلد”و”وثيقة شرف” فما هو أكبر تحدّي واجهك ككاتب في كتابة الأجزاء؟

**التحدي الكبير في الأجزاء هو الحفاظ على النجاح، والنجاح مرتبط باستمرار فاعلية الخطوط والشخصيات وضخّأفكار وخطوط جديدة مترابطة.

*كثيرة هي الأعمال التي كتبتَها بالشراكة مع كتّاب آخرين كسليمان عبد العزيز، لبنى مشلح، أحمد كنعان، مؤيد النابلسي.. ما الذي يستهويك في هذا النوع من الكتابة؟ وعلى ماذا يتوقف نجاح أي شراكة في مجال الكتابة الدرامية؟

**ورشاتُ الكتابة عمل رائج في العالم، ونجاحها متوقف على الشركاء الذين يكتبون، والورشة حالة صحية تتعدد فيها وجهات النظر ويبنى النص بعد مداولات بين الكتّاب، وهي تعتمد على التناغم بين الكتّاب وحسن النوايا الأخلاقية تجاه النص، وكانت شراكتي مع مؤيد النابلسي ناجحة، وقد عملتُ في ورشات درامية على مستوى الوطن العربي، وكانت نتائجها مبهرة، منها “العاصوف” مع د.عبد الرحمن الوابلي، و”قلبي معي” و”غراميات شارع الأعشى” مع هديل اسماعيل، وأعتقد أنها نجحت.

*تُعد من أكثر الكتّاب ذوي المشاريع المؤجلة كـ العربجي، التنبكجي، القنوات” فما مصير هذه النصوص؟ ومتى يفقد النص المكتوب قيمتَه برأيك؟

**من سوء الحظ أن لديّ عدداً كبيراً من النصوص مؤجلة أو لم تصوَّر، ولا أدري ما مصير هذه النصوص، فبعضها أصبح يحتاج إلى إعادة كتابة، وبعضها سُرِقت أفكاره وأعيدت صياغتها، وبعضها الآخر ما زال يحافظ على رونقه.

*لديك ميل للتاريخ في كتاباتك، فكيف ينجح الكاتب في تقديم معادلة صحيحة، طرفاها ما هو تاريخي وما هو درامي؟

**من ليس له ماضٍ ليس له مستقبل، والتاريخ مصدر إلهام وقوة للشعوب إما للفخر أو للاستفادة من الاخطاء، وعرض التاريخ في عمل درامي يحتاج إلى دراية ودربة وموسوعية ودقّة في رسم حدود الكاتب بين الخيال والتوثيق، إذ أن هناك هامشاً للكاتب يستطيع أن يتحرك فيه درامياً وليس عليه أن يتخطاه فيهدم الوثيقة.. التاريخ منبع إلهام كبير للشعوب، والعودة إليه مفيدة ومجدية، ومن لا يقرأ تاريخه لا يستطيع أن يضع قدمه في حاضره.

*تبدو بعيداً عن الكتابة الكوميدية، فهل تحتاج هذه النوعية من الكتابة إلى كاتب بمواصفات معينة؟

**الكتابة الكوميدية تحتاجإلى شروط خاصة، وكانت لي تجربة كوميدية وحيدة وغير ناجحة.. الكتابة الكوميدية تحتاج إلى وعي خاص من الكاتب لحالة المُشاهد النفسية، ومن السهل أن نجعل المشاهد يبكي، ولكن من الصعب جداً إضحاكه.

*باتت معظم الأعمال اليوم تقدم عبر المنصات، ومنها “وثيقة شرف” من كتاباتك بالشراكة مع مؤيد النابلسي، فما هي النصوص التي تغري هذه المنصات؟ وهل يصلح أي نص لها؟

**التحول إلى المنصات قادم بلا ريب، والنص الذي يقدَّم إلى منصة يحتاجإلى مواصفات خاصة، منها الحرية غير المتاحة في المحطة أو العرض التلفزيوني لأن شرط المنصة مختلف عن شرط التليفزيون، ففي المنصة يدفع المشاهد كي يشاهد، ويتوقع أن يشاهد عملاً جريئاًفي الطرح والصورة، ومختلفاً من ناحية الفكر والرصد.. العالم اليوم يتغير بسرعة ويتدحرج ككرة الثلج، والدراما لن تستطيع أن تواكبه لكنها تستطيع أن ترصد نقاطَ علام في مفاصل مهمة، والمنصات تحاول العمل على هذا.. الدراما بشكل عام حالة جمعية، توجه الجمهور باتجاهات مدروسة، وعلينا أن نعرف أين وجهتنا ومصالحنا ونتعامل معها بذكاء.

*لمن تحتكم في تقييم ما تكتبه؟ للجمهور أم للنقاد؟

**التقييم بعد العرض يحتاج إلى دراسات نقدية لتقييمه، وليس كل عمل جماهيريعمل مكتمل، وليس كل عمل مكتمل عمل جماهيري، وتقييم الجمهور خاضع للمزاج العام، وتقييم النقاد يجب أن يكون خاضعاً للأسس العلمية، وكلاهما يهمني.

*ما هي مشاريعك الحالية؟

**أعمل حالياً مع مؤيد النابلسي على عمل اجتماعي بانورامي يرصد التغيرات التي سبقت الحرب على سورية على مستوى التردّي الأخلاقي.