عبد المنعم عمايري: دخلت المعهد من أجل المسرح لا بحثاً عن الشهرة
لم يكن استقبال المعهد العالي للفنون المسرحية المميّز للفنان عبد المنعم عمايري، ضمن فعالية ملتقى الإبداع الشهرية، مؤخراً سوى تحية للابن البارّ للمعهد، والذي لم يمارسْ عقوقاً اتجاه الفن الذي عشقه، وهذا ما جعله يصرّ على أن يسبق اسمه في البوستر المخصّص للملتقى لقب “المسرحي الفنان”. وذكر عميد المعهد د. تامر العربيد في تقديمه له ما قيل عنه على ألسنة أسماء مهمّة في عالم الفن، حيث يصفه الفنان غسان مسعود دائماً بالخاص والمختلف، وهو آخر الصعاليك المُعاصرين المُبدعين برأي الفنان اللبناني رفيق علي أحمد، والرقم الصعب برأي أمل عرفة.
المسرح هو الهدف
ذكريات كثيرة يختزنها عمايري عن المعهد طفتْ على السطح بمجرّد قدومه إلى هذا المكان الذي أمضى فيه سنوات طويلة، مؤكداً في لقائه طلاب المعهد والذي أداره سعد القاسم أن المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وهو الذي تعرّف على عدد من الأكاديميات في الوطن العربي، هو الأكثر نضجاً وثقافةً وبحثاً، ويعود إليه الفضل فيما هو عليه اليوم كممثل، مبيناً أنه المكان الذي كان يحلم أن يكون فيه لا ليصبح مشهوراً ونجماً تلفزيونياً بل ليقف على خشبة المسرح، لذلك رفض أثناء دراسته عدة عروض قُدّمت له من قبل مخرجين معروفين للعمل في التلفزيون لأنه كان مُقتنعاً أن المسرح هو هدفه، متوقفاً مطولاً عند مرحلة الدراسة والتي كان فيها قارئاً نهماً لكلّ كتب مكتبة المعهد ومشاهداً لكل الأفلام العالمية، مبيناً أنه من حسن حظّه أنه كان هناك ستّة خبراء روس آنذاك مع أساتذة تمثيل محليين عملوا على تأسيسه في تلك الفترة، مثل الفنانين القديرين حسن عويتي وغسان مسعود الذي تخرّج على يديه لتبدأ رحلة طويلة بينهما فيما بعد على صعيد المسرح، موضحاً أن المعهد لا يُعلّم التمثيل بل يصقل الموهبة ويطوّر الأدوات ويمنح الطالب مخزوناً معرفياً لمرحلة تكوينه الأولى كممثل من خلال النقاش والحوار وتحليل الدور مع أساتذة أكاديميين، ليضيف إليه حينما يصبح ممثلاً محترفاً مخزوناً عاطفياً، لأن التمثيل مهنة عصبيّة وفكريّة وعضلية، والبراعة فيها تختلف بين ممثل وآخر وفقاً لحساسيته والتقاطه لما يحدث في الشارع.
خرج ولم يعد
بعد تخرجه من المعهد، تابع عمايري شغفه بالمسرح، فسافر إلى تونس وفرنسا ودرس فيهما الإخراج المسرحي، وفي العام 1997 شارك في ورشة مع بكاري سنجاري مساعد بيتر بروك، وعلى هامش مهرجان قرطاج المسرحي تعرّف على عز الدين قنون وأسّس معه مركز المسرح والتكوين في تونس، مشيراً إلى أنه تعلّم من هذه التجارب الكثير، وخاصّةً على صعيد تحقيق المشهد المسرحي الذي لا يتمّ إلا بالبحث والجهد والإتقان والتأسيس النظري، مؤكداً أن الممثل يجب عليه أن يعمل، والأسهل له أن يتكلم، وهو اكتفى بعملين مسرحيين له كممثل هما “منمنمات تاريخية” و”كسور”، لأن مشروعه المسرحي كان وما زال يكمن في الإخراج وإدارة الممثل والكتابة، وكانت البداية عام 2001 من خلال مسرحية “صدى” بطولة أستاذه غسان مسعود وسلافة المعمار و”فوضى” عام 2005 وهو العرض الذي حاز على جوائز عدة في مهرجانات عربية ودولية، أبرزها جائزة أفضل عرض في مهرجان القاهرة التجريبي عام 2007 و”تكتيك” عام 2008 و”سيليكون” عام 2012. ونوّه عمايري، وهو الذي عاد بعد تخرجه في المعهد كمعيد، بأنه عمل في التدريس كمخرج، لذلك حينما أنجز “سيليكون”، وهو مشروع تخرُّج، أنجزه كمخرج وليس بمنطق المدرّس المشرف، مؤكداً أنه بعد قيامه بالتدريس في المعهد خرج منه ولم يعد حين شعر أن هذا المعهد ليس الذي يعرفه، وقد كان مستاءً جداً من إحدى الدفعات التي مرّت على المعهد، مشيراً إلى أنه كمعيد أو كأستاذ لديه قانونه الخاص في التدريس والتمثيل وهي قوانين صعبة، ولكن يجب على الطالب أن يحترمها وأن يتقيّد بها، لأن مهنة التمثيل مهنة قاسية ويجب أن تقوم على الاحترام وكلّ ما هو إنساني، معبّراً عن سعادته بما شاهده اليوم في المعهد الذي يراه عائداً إلى ألقه، معلناً أنه لا يمانع إن توفّرت الظروف المناسبة له من أن يدخله ثانيةً ليقيم فيه ورشة عمل مع الطلاب، شرط أن يتحمّل الطلاب قوانينه.
ورداً على أحد الأسئلة، حذّر عمايري من التماهي والتقمّص في التمثيل، ورأى أن ذلك أكبر خطأ قاتل يرتكبه الممثل الذي يجب أن يراقب نفسه دائماً، انطلاقاً من إيمانه أن الممثل يجب أن يعيش الدور لا أن يتماهى فيه ليبقى مراقباً لما يقوم به.
المخرج صاحب العمل
وقال عمايري إنه حينما بدأ الإخراج المسرحي كان لديه هَمّ دائم هو كيف سيُقنع مجموعة من الممثلين المحترفين بالعمل معه وفق رؤيته الخاصة في التمثيل على خشبة المسرح، أي إقناعهم بالأداء المُعاصر الذي يشبه الحياة دون أن ينكر أنه ارتكب بعض الأخطاء في بداياته المسرحيّة كمخرج والتي تجاوزها في مسرحية “سيليكون”، منوهاً بأنه يؤمن بأن المخرج هو صاحب العمل ككل، وهو المسؤول عن جميع عناصره، فهو كمخرج يبدأ بطرح الفكرة على الممثل وتخضع الفكرة للنقاش وصولاً إلى صيغة نهائية للعمل، وعندما تبدأ البروفة ينتهي دور الممثل برأيه ليبدأ دور المخرج، مشيراً إلى أنه وإن انحاز للإخراج أكثر من التمثيل على خشبة المسرح، إلا أن ما يرضيه هو أنه يؤدي كل الشخصيات أثناء الإخراج، وأن رؤيته لفنّ التمثيل يُقدّمها كمخرج.
لا للبيئة الشامية
وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد الانتهاء من لقاء عمايري مع الطلاب، أشار إلى أنه لم يعمل في التلفزيون إلا بعد تخرّجه من المعهد من خلال 16 مشهداً ولكن دون أن يقول أي كلمة، وقد حقّق نجاحاً ولفت انتباه المخرجين إليه، وهذا يؤكد مقولة “لا يوجد دور كبير ودور صغير، وإنما ممثل كبير وممثل صغير”، مبيناً أيضاً أنه كممثل يعنيه اليوم عند قبول أي عمل أن تكون الجهة المنتجة متبنية لكل عناصر العمل إخراجاً وإنتاجاً، وأن توفّر كل العناصر التي تدعم العمل ليكون ناجحاً، مع تأكيده على أهمية النص وكيفية معالجته للأدوار، وأنه بعد أن انشغل بالأعمال العربيّة المُشتركة أكّد أنه بانتظار أي فرصة مناسبة ليعود إلى الدراما السوريّة التي يعود إليها الفضل في وجوده اليوم بين النجوم، معلناً وبشكل حاسم أن أعمال البيئة الشامية لا تجذبه أبداً، وكسوري من أصل فلسطيني أوضح أن القضية الفلسطينية لم تأخذ حقها على الإطلاق في الدراما، وكلّ الأعمال الفنية الدرامية تعاملتْ معها بسطحية، مبيناً أنه ضد المباشرة في طرح هذه القضية لأنها ما زالت قضية طازجة، والمُشاهد يُشاهد يومياً عشرات المشاهد التي لا يمكن أن يرقى إليها أيْ مشهد درامي.
أمينة عباس