العراق يقلب معادلة “كُرمى عيون اسرائيل”
سمر سامي السمارة
طيلة العامين الماضيين، كانت الولايات المتحدة تحاول جاهدة جعل البلدان العربية تلتف حول الكيان الصهيوني، لإيجاد تسوية بشروط أمريكية، وإجبار الفلسطينيين على حل الصراع مع الكيان من خلال خطة ترامب، التي تعرف باسم “صفقة القرن” وتعكس انحيازاً واضحاً لإسرائيل. ومن المؤكد أن واشنطن لا تؤيد حق الشعب الفلسطيني في الوصول إلى حل عادل من خلال وساطة الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، بل أنها تصر على الصيغة الأمريكية الإسرائيلية للمفاوضات.
على أي حال لم يضع البيت الأبيض المطلب الفلسطيني الرئيسي بدولة مستقبلية وعاصمتها القدس في الحسبان، فضلاً عن أنه لم يأخذ في الاعتبار قضايا أخرى غاية في الأهمية لدى الفلسطينيين. على العكس من ذلك، اعترفت الخطة الأمريكية بالمدينة كجزء لا يتجزأ من “اسرائيل”. وأثناء التحضير للخطة، لم تستمع إدارة ترامب أبداً إلى المطالب المحقة للفلسطينيين، لكنها تعاونت بشكل أساسي مع الكيان في صياغة الاتفاق. ومن المعروف أيضاً، أن ترامب قدم الجزء الرئيسي من الخطة بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو في واشنطن، بينما لم تتم دعوة أصحاب الأرض الحقيقيين إلى الاجتماع.
حاول ترامب تحقيق اختراق دبلوماسي بشأن القضية الفلسطينية التي استخدمها كورقة رابحة أثناء حملته الانتخابية في أواخر عام 2020، حيث قام بدور نشط في هذا الصدد، لكن الفلسطينيين رفضوا قبول المقترحات الأمريكية بسبب انحياز “صفقة القرن” بشكل واضح لـ “إسرائيل”. وبالتزامن، التزمت العديد من الدول العربية برفضها القاطع للمبادرات الأمريكية برغم ضغط واشنطن المستمر.
في السنوات الأخيرة، داوم البيت الأبيض على إيلاء اهتمام كبير لتعزيز تسوية علاقات الكيان مع عدد من الدول العربية. وفي عام 2020، لم يُخفِ وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، آمال واشنطن في تطبيع العلاقات بين الكيان ودول الخليج تحديداً، قائلاً إنه إذا نجحت إجراءات البيت الأبيض بشأن هذه القضية، يمكن الحديث عن إنشاء “شرق أوسط جديد”. في الوقت نفسه، توقعت الولايات المتحدة أن مواصلة الجهود لجعل معظم الدول العربية تتجه نحو تطبيع علاقاتها مع تل أبيب حتى يتم حل جميع الخلافات مع الفلسطينين، سوف يلعب بطريقة ما دوراً لصالح الكيان الصهيوني، لأن الفلسطينيين سيفقدون دعم بعض الدول العربية جراء تطبيع العلاقات، وبالتالي هذا الأمر ربما يجبر السلطات الفلسطينية لأن تكون أكثر مرونة في المفاوضات.
من المسلم به، أن مطالب الشعب الفلسطيني شرعية ومحقة، إذ يلتزم الفلسطينيون بحل الصراع على أساس القانون الدولي وحل الدولتين، مع العودة إلى حدود عام 1967، والتخلي عن المستوطنات في الضفة الغربية، وإعادة القدس الشرقية إلى فلسطين.
تفاقم الوضع وازداد سوءاً، بسبب الاستفزازات الصارخة التي تمارسها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رغبة منها في تسوية أي صراع على طريقتها الخاصة بما يضمن لها تحقيق مكاسبها وتعزيز مكانة “إسرائيل” في المنطقة، بالإضافة إلى أن خطط تل أبيب الأخيرة لمضاعفة عدد الإسرائيليين في غور الأردن ومرتفعات الجولان بحلول عام 2026.
ونتيجة لهذه الإجراءات، كما قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير، ازدادت حدة التوترات بالفعل بسبب الخطوات الأحادية غير القانونية التي اتخذتها تل أبيب لفرض واقع لا رجوع فيه “على الأرض”، بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.
في ظل هذه الظروف، كانت ردة فعل البرلمان العراقي قوية، إذ تمكن في 26 أيار الماضي من إقرار قانون يجَرم تطبيع العلاقات مع “اسرائيل”. وينص هذا القانون على إعتبار أي علاقات، رسمية أو غير رسمية، مع النظام العنصري، جريمة يعاقب على انتهاكها في العراق بالإعدام أو السجن مدى الحياة، وسيطال هذا القانون أيضاً المؤسسات التجارية والشركات التي تعمل في العراق وتحافظ على التعاون مع شركاء “إسرائيل”.
تجدر الإشارة إلى أن العراق لم يعترف قط بـ “إسرائيل” منذ عام 1948، ولا تربطه علاقات دبلوماسية معها، ولا يُسمح للمواطنين والشركات العراقية بزيارة فلسطين المحتلة. وقد أقر مجلس النواب العراقي القانون المذكور عشية الاحتفال بيوم القدس في 28 أيار الماضي، حيث يشهد هذا اليوم مظاهرات كبيرة مناهضة لإسرائيل ومعارضة لاحتلال القدس في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي.