مجمع اللغة العربية يحتفي بالدكتور البيطار
أقام مجمع اللغة العربية بدمشق أمس جلسة علنية احتفاء بالعضو الجديد، الأستاذ الدكتور شفيق البيطار. وذلك بحضور أعضاء المجمع وعدد من المهتمين واللغويين ورجال الإعلام.
وفي كلمة ترحيبية بهذه المناسبة، أكد رئيس المجمع، د. محمود السّيد، أن التّهاون باللغة العربية ليس إلّا أمارة على فتور الانتماء، والإساءة إلى الهوية، في حين أنّ الحرص على سلامتها يؤدّي إلى الأمن اللغوي، وتحصين ذاتيةِ الأمة وهويتها؟ وقال أنّ هاجس مجمع اللغة العربية بدمشق، وعبر مسيرته خلال ما يزيد على قرن كامل، كان خدمة لغتنا العربية، والمحافظة على سلامتها، وجعلها وافية بمطالب الآداب والعلوم والفنون، وملائمة لحاجات الحياة المتطورة، والعناية بإحياء تراث الأمة في العلوم والفنون والآداب تحقيقاً ونشراً، مستدركاً أنه وعلى الرّغم من الجهود الكبيرة التي قام بها المجمع ما تزال ثمة أمور كثيرة تحتاج إلى وقفات مستأنية، وكلّنا أمل في أن انضمام أعضاء جدد إلى أسرة المجمع سيؤدي إلى تعزيز مسيرته الرامية إلى النهوض بالواقع اللغوي نحو الأفضل.. متتماً بالقول إن من يطلع على السّيرة الذّاتية للدّكتور البيطار يجد أنّ التفوق ظلّ ملازماً له في حياته العملية، وها هو ذا نتاجه الغزير يتّسم بتعدّد أبعاده تدريساً وتأليفاً وإشرافاً على الرسائل، وتحكيماً لعدد منها في الجامعات السورية، وتحقيقاً لبعض الدّواوين الشّعرية ودراستها، وإنجاز بحوث علمية، ومشاركته في ندوات ومؤتمرات وإشرافاً على عدد منها.
واستهلّ الدّكتور وهب رومية كلمته بالإشارة إلى بعض المشكلات التي عاناها المجمع، وقال إن السّنوات الماضية كانت حالكة كقطع الليل المبهم، تجافى فيها الأحباب، وتناكر الأصدقاء، وتحلل المجمع إلى عوامله الأولية كالقبلية والجهوية وغيرها من البنى الأولية التي تسبق نشوء الدّولة الوطنية، فاهتز اليقين الذي نذرنا أعمارنا له وتصّدع، وغامت الرّؤية واضطربت، وصارت الهوية التي كانت تنزل من النّفوس منزلة البدهيات موضوعاً محتاجاً إلى الفحص والمراجعة والتّدقيق والنّقد، وفقدت مفاهيم جليلة قدسيتها وهيبتها، مضيفاً: يجب أن نعترف بأخطائنا بدلاً من الاستنجاد بأخطاء الماضي، ويجب أن نعترف أنّنا متخلّفون، والتّخلف حالة حضارية شاملة تغشى وجوه الحياة جميعها، واللغة العربية أحد هذه الوجوه.. هذه اللغة التي هجرها أهلها أو كادوا ناسين أو متناسين أنّ التّفريط بها هو تفريط جائر بأهم عناصر الهوية ورموزها، وإن كان التّصدي للتّخلف هو مسؤولية القيادة السّياسية أوّلاً، وهو مسؤوليتنا ثانياً، فإنّ التّصدي لتخلف اللغة العربية هو المسؤولية الأولى لهذا المجمع، وعلى مدى جدارته بتحمّل هذه المسؤولية والنّهوض بها تتأسس قيمته وأهميته، وهو مسؤولية وزارات التّعليم العالي والتّربية والثّقافة والإعلام والأوقاف.
وقال إن الدّكتور البيطار واحد من المعروفين بقدرتهم على العطاء، وبإخلاصهم في العمل، وغيرتهم على ثقافة الأمّة ولغتها، وهو ليس متخصصاً في اللغة العربية فحسب بل عاشقاً لها وغيوراً عليها لا يصبر على صدودها أو هجرانها، ولا تخطئ العين فيما حبر من حديثها آيات عشقه وأمارات فتنته بها؛ وهو باحث جادّ مدقق ومحقق حصيف.. لقد جمع نفسه وساقها في سبيل قضية واحدة هي قضية التّراث وراح يصطفي تراثه الخاص من هذا التّراث الضّخم، شأنه في ذلك شأن الباحثين في التّراث العامة، فتخيّر التّراث الأدبي بما يتخلله من معارف ذات طعوم شتّى نظراً لتدخّل شعب الحضارة العربية.
الأستاذ الدّكتور البيطار أقر بصعوبة بصعوبة الموقف وحجم المسؤولية، وقال: موقف مهيب لم يدر في خلدي أن أقفه، فقد كنت أراني دون بلوغ هذا الطود العلمي الشّامخ، ولا أزال وسأبقى، لا تواضعاً – وإن كان محموداً – بل حقيقة لا أخفيها، فقبل نحو تسع سنين اتّصل رسول من العلامة مازن مبارك طالباً سيرتي الذّاتية، فحمدت الله أنّ الشّيخ الجليل لم يكلّمني كفاحاً، فتمنعني هيبته واحترامه من الاعتذار، واعتذرت إلى الرّسول بلا تردّد، لا مخالفةً ولا عقوقاً، بل لما أرى من ضآلة ما تعلّمت وما علمت، فضلاً عن نفوري من حبّ الظّهور وإلزام نفسي ما لا يلزمها، ولولا إلحاح أخي العلامة وهب رومية على تقديم سيرتي واستجابتي له لكنت أهدأ بالاً، وأهنأ حالاً، وقد هممت أن أنسحب، وكدت، ولكن ما قدر كائن، ولكلّ أجل كتاب، فللعلامتين الكريمين خالص شكري على حسن الظّن، وأرجو أن أكون أهلاً له.
ولأنّ من مآثر المجمع وفاءه للرّاحلين من أعضائه، وتكليف الخلف بالحديث عن سلفه، قدم الدّكتور البيطار موجزاً سريعاً عن حيات العلّامة محمد إحسان النّص رحمه الله، وعمّا قدّمه للغة العربية وللتّدريس والتّعريب في سورية وعدد من الدّول العربية كالجزائر ومصر والكويت.
ولد الدكتور البيطار في رأس المعرة بريف دمشق، عام 1965، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في محافظة دمشق، ثم التحق بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق وتخرج فيه بتقدير جيد جداً. وحاز درجة الماجستير في الآداب ثم حاز درجة الدكتوراه في الأدب الجاهلي عام 1995 بمرتبة الشرف.
نجوى صليبه