بوتين يلقّن عمالقة الطاقة الغربيين درساً
عبارة تردّدت على لسان أكثر المحللين الاقتصاديين الغربيين الذين يتابعون بشكل يومي الآثار الكارثية للعقوبات الغربية المفروضة من جانب واحد على روسيا، فقد أدّت هذه العقوبات إلى تضخّم غير مسبوق في أسعار السلع في الدول الغربية، فضلاً عن آثارها المدمّرة على قطاعات اقتصادية حساسة تعدّ الحامل الأساسي للنموّ في هذه الدول، فالعقوبات المفروضة على قطاعي الأسمدة في روسيا وبيلاروس، اللتين تنتجان 60% من المادة على مستوى العالم، على سبيل المثال لا الحصر، أدّت تلقائياً إلى ارتفاع أسعار الأسمدة في أوروبا بشكل كبير قد يؤدّي إلى آثار مدمّرة على قطاع الزراعة في الاتحاد الأوروبي الذي بدأت دوله تشهد احتجاجاتٍ من المزارعين بسبب نقص المادة وارتفاع أسعارها، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاعات قياسية في أسعار الغذاء، فضلاً عن التهديد الكبير الذي يشكله نقص الحبوب وخاصة القمح على الأمن الغذائي العالمي، حيث بدأت الدول الأكثر فقراً في العالم تلقي اللوم على الجانب الغربي في هذا الشأن.
كل ذلك ولم يتم الحديث بعدُ عن الآثار الكبرى للعقوبات على قطاع الطاقة الروسي، حيث تعتمد أوروبا بشكل أساسي على إمدادات النفط والغاز الروسيين الضروريين لتشغيل المصانع والتدفئة، الأمر الذي يضع إشارات استفهام كبيرة حول المستهدف الحقيقي من هذه العقوبات، وخاصة أن العقوبات خلقت أزمة طاقة حادة في العالم وخاصة في الدول التي فرضتها.
فإذا كان الأمر على هذا النحو في العالم قبل أن تفكر موسكو في الردّ جدّيّاً على هذه العقوبات، فكيف وقد بدأت فعلياً بالردّ عليها، حيث كتبت صحيفة “فايننشال تايمز”، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتأميمه شركة حقول “سخالين – 2” للغاز المسال، لقّن عمالقة الطاقة الغربيين درساً لن ينسوه أبداً.
وهنا لا بد من الحديث عن أن الفعل الغربي مضافاً إليه ردّ الفعل الروسي سيشعل حرب طاقة في العالم لا يمكن أن تنجو منها العواصم الغربية ومن يسير في فلكها، كاليابان مثلاً التي أعلن سيجي كيهارا نائب أمين عام مجلس الوزراء فيها أن طوكيو لا تزال تعدّ مشروع “ساخالين – 2” مهمّاً من وجهة نظر تزويد البلاد بالكهرباء والغاز، الأمر الذي يؤكد أن الجميع بدأ يدرك عواقب قراراته الخاطئة.
والحال أن الاقتصادات الكبرى بدأت تترنّح على وقع الحرب التي أعلنتها على موسكو، فكيف إذن سيكون الحال مع ليتوانيا الدولة التي أرادوا لها أن تكون وسيلة لاستدراج غزو روسي لأراضي الناتو والقول إن “روسيا تعمل على زعزعة الاستقرار العالمي”، حيث أكد حاكم مقاطعة كالينينغراد الروسية أن الرد الروسي على حظر ليتوانيا عبور بعض البضائع إلى المقاطعة، قد يقضي على قطاع النقل في ليتوانيا، ويدمّر نصف اقتصادها.
لذلك يستميت الغرب الآن في محاولة لدفع روسيا إلى طلب التفاوض بدلاً عنه حفظاً لماء وجهه، ويعمل بكل الوسائل على دفع الأمور بهذا الاتجاه عبر مزيد من التضييق على الدبّ الروسي، ولكنه يصطدم بالمحصلة بصلابة الرئيس الروسي الذي أكد منذ البداية أن العقوبات الغربية ستضرّ الجهات التي فرضتها، وأن مسألة الذهاب إلى عالم متعدّد الأقطاب لا رجعة عنها.. وعلى الغرب الآن تدور الدوائر.
طلال ياسر الزعبي