قوة الآسيان في حيادها
هناء شروف
سلط مؤتمران عُقدا مؤخراً الضوء على عداء الولايات المتحدة تجاه روسيا والصين، الأول كان مؤتمر زعماء رابطة دول جنوب شرق آسيا المكوّن من 10 أعضاء مع الولايات المتحدة، والذي استضافه الرئيس الأمريكي جو بايدن في واشنطن في أيار الماضي، والثاني كان حوار شانغريلا في سنغافورة يومي 10 و 12 حزيران الماضي.
النبأ السار هو أن “آسيان” تواصل التمسّك بحيادها، ورفض اتباع الولايات المتحدة في إدانة روسيا أو الرئيس فلاديمير بوتين، وترفض أيضاً عزل الصين عن المنطقة. لقد حافظت آسيان على موقفها المحايد بشأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الرغم من أن جميع الدول الأعضاء فيها تريد إنهاء الحرب، كما حافظت الرابطة أيضاً على حيادها بقولها إنها مستعدة للعمل مع كل من الولايات المتحدة والصين على الرغم من انتقاد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الصين في خطابه في سنغافورة.
في عالم يعاني من التباطؤ الاقتصادي، وأسعار النفط المرتفعة، وتعطّل سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كوفيد-19، والحرب بين روسيا وأوكرانيا يعدّ حياد الآسيان ركيزة للاستقرار. لكن الأمر المأساوي هو أن بعض السياسيين الأمريكيين ما زالوا يتمتعون بالسلبية، والسؤال لماذا لا يتبعون سيناريو مربحاً للجانبين من خلال الجمع بين أكبر اقتصادين في العالم للعمل معاً للتغلب على التحديات العالمية، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي؟.
في الواقع، ستفشل الولايات المتحدة إذا استمرت في مواجهة الصين، لأن معظم الدول الأعضاء في الآسيان تريد زيادة التبادلات الاقتصادية، وتعميق التعاون مع الصين الجار الأكثر أهمية والشريك التجاري التقليدي. كما ستفشل أيضاً محاولات الولايات المتحدة لإقناع أعضاء الآسيان باتخاذ موقف أكثر صرامة ضد روسيا، والانضمام إلى عقوباتها التجارية ضد روسيا، لأن روسيا عملاق الطاقة لديها علاقات جيدة مع معظم دول جنوب شرق آسيا، والجميع يفضل الحوار والدبلوماسية لحلّ الخلافات، والإيمان بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وهناك عامل آخر يعزز حيادية الآسيان، وهو الاقتصاد الراكد للولايات المتحدة، وفشلها في الاستجابة بشكل مناسب للوباء الذي أدى إلى الاضطراب الاجتماعي، مما جعل من الصعب عليها الوفاء بوعودها للدول الأخرى.
الحقيقة هي أن الولايات المتحدة الآن لديها قدرة محدودة على الوفاء بوعودها، بسبب مشكلاتها السياسية والاقتصادية المحلية، والانتخابات النصفية المقبلة في تشرين الثاني القادم. وقد سألت صحيفة “نيويورك تايمز” في 3 أيار الماضي هل سيقضي الرئيس بايدن العامين المقبلين في دفع أجندته صعوداً في واشنطن المنقسمة بشدة، حيث لا يزال الديمقراطيون يحتفظون بغرفة واحدة على الأقل في الكونغرس، أم أنه سيواجه تسونامي من التحقيقات وحتى المساءلة من قبل الكونغرس المعادي الذي يهيمن عليه اليمين؟”.
وحول أهمية حيادية الآسيان، قال الدبلوماسي والمفكر السنغافوري كيشور محبوباني: “عندما تكون القوة الثانية في العالم -الصين- على وشك التغلب على القوة رقم واحد في العالم -الولايات المتحدة- تصبح العلاقات صعبة حتماً.. قد ينجذب المسؤولون الأمريكيون إلى تجنيد كل أو جزء من الآسيان في حملتهم لإحراج الصين. وسيكون هذا خطأ استراتيجياً فادحاً لن يفعل شيئاً لردع الصين، لكن الآسيان قد تعاني من أضرار جسيمة”.
وقال محبوباني: “على أي حال إن الاحتمالات مكدسة ضد الولايات المتحدة. فبينما يُنظر إلى أمريكا على أنها في حالة انحدار، يُنظر إلى الصين على أنها في صعود. علاوة على ذلك إن الجغرافيا مهمة، فجميع جيران الصين يعرفون أن الولايات المتحدة قد تكون في آسيا لمائة عام أخرى، ولكنهم يعلمون أن الصين ستكون موجودة لألف عام أخرى، وبالتالي حيادية الآسيان واحدة من أعظم نقاط قوتها”.