“بيت الحب”.. عامراً بالإنسانية والرحمة
سلوى عباس
حلم يعود في الزمن إلى ثمانينيات القرن الماضي تحتفظ به ذاكرة الأديبة د. ريم الأطرش بامتلاك بيت للحب على شاكلة “قصر المرأة” الباريسي الذي زارته أثناء دراستها الجامعية للإقامة فيه ونال إعجابها وانتابتها أمنية أن يكون لديها في المستقبل بيتاً مشابهاً، هذه الأمنية التي تجسدت لها في منامها كحلم عاشت تفاصيله بواقعيتها عبر تجارب شخصيات تعرفها عن قرب واطلعت على واقعها وترغب أن تتشارك معها رغيف الحياة، وبدأت ذاكرتها في المنام بسرد تفاصيل الأمنية بهذا البيت الذي امتلكته بعد أن باعت بيت أهلها واقترحت على صديقاتها المقرّبات السعي للعيش معاً في بناء واحد لطيف يطل على دمشق الشام، خاصة العازبات لأنهن الأولى بالاحتضان لمساعدة بعضهن بعضاً، وخاصة بعد رحيل الأهل حيث تشعر المرأة دوماً بأنها أضحت بلا سند وبلا أمان إلا من أصدقائها المقربين، فالأقارب مشغولون بحياتهم الخاصة ولم تعد صلة الرحم أولوية كما كانت عليه الحال من قبل.
تقول د. ريم: “اخترت اسم “بيت الحب” ليحكي عن مضمون هذا المكان، صحيح أنه سوف يكون قصراً أو مملكة للمرأة، لكنه سيكون أساساً بيتاً عامراً بالحب، فالمرأة هي التي تزرع الحب في هذا العالم وتحنو عليه وترويه من حنانها فينمو بين يديها، وكل امرأة تفعل غير ذلك فهي تتخلى عن إنسانيتها، لذلك تمنيته بناء تسود في قلوب نزلائه المودة والرحمة والمحبة والاحسان والتعاضد، هكذا فكرت فيه، وهكذا تأملت أن يكون، لكن هل من الممكن ان تتحقق أمنيتي تلك وبلادنا تغوص في انقسام عمودي عميق منذ بدء المحنة عام 2011″؟.
تسترسل الكاتبة في حلمها وترتب أولوياته فتبدأ بنشر الخبر بين صديقاتها العازبات أولاً ثم بين السيدات اللواتي بقين وحيدات بعد تزويج أبنائهن، وأخيراً بين المتقاعدات اللواتي يفضّلن العيش ضمن مجموعة من النساء بدلاً من العيش وحيدات.
وتضيف: حين كنت أتحدث إليهن عن المشروع كان بعضهن يظن بأن البناء مخصص للمسنات، فكنت اؤكد لهن أنه ليس كذلك، فنحن لسنا مسنّات طالما أعمارنا تتراوح بين الأربعين والستين، وطالما أن الروح الشابة وحب الحياة متجذران في قلوبنا، وطالما أن الأمم المتحدة قد أقرت أن سن الشباب مستمر حتى سن الخامسة والستين.
يستمر منام الكاتبة بنسج خيوط الحكاية حيث بدأت صديقاتها بالانتقال الى بيت الحب وبسرعة فائقة عُمّر الطابق الاول بهن وبروحهن الحلوة، لنتعرف نحن القراء إلى حكايات رغدة وسنا ورنا وندى وريتا وغادة وماري وسلام واليسار ووجد وحنان وجيدا ونهيلة وغرازييلا ورنيم وألفة ويافا ورامة وريم، وغيرهن من النساء اللواتي سيتوافدن إلى هذا البيت، فالكاتبة مؤمنة أن النساء في بلدها يتمتعن بالصلابة والعاملات منهن بطلات حقيقيات لم يتوانين عن الالتحاق بأعمالهن رغم الخطورة المحدقة بهن في كل لحظة.
تفاصيل الحلم الذي عاشته الأديبة ريم في منامها نسجت منها رواية بعنوان: “بيت الحب” الصادرة عن دار دلمون الجديدة وتمثل في وجه من وجوهها إحدى مدونات الحرب من خلال غوصها في النسيج الاجتماعي وتداعيات الحرب عليه، فجاءت مرآة لهموم حياتية ونفسية تتقارب مع القارئ بصدقيتها، حيث أن الذاكرة كفعل محرض على الاسترجاع والاستحضار تبدو الركن الأهم الذي تتكئ عليه التشكيلات السردية، ويقصد منها إشعال الذاكرة أيضا كي تخزّن الأشياء الحميمية والغالية والتي نخاف أن يهمشها النسيان، وضمن هذا المنطق تبني أحداثها وتراكماتها على قصص مستمدة من ذاكرة وتاريخ شخصيات الرواية التي أحكمت العناية بتحولاتها الزمنية ومتغيرها النفسي والدرامي، وترسم لنا عبر ذاكرتها تشكيلات بصرية حركية وجمالية تغني وتعمق محكيها في صفحات الرواية، فانطلقت في تفاصيل روايتها نحو مناطق غائرة في تاريخ الذات السورية المثقلة بأوجاعها الإنسانية والتاريخية جراء معاناتها من الحروب والأوبئة، تفاصيل نسجتها بلغة رشيقة تمنح القارىء إحساساً بأنها تتحدث معه في جلسة حوار ودية مع فنجان قهوة، مما يجعلها تصل بأهدافها الى ذهنه بيسر وسهولة مع حفاظها على قوة الحياة لدى شخصياتها، مؤكدة على أن الكاتب ضمير عصره وأدبه مرآة الزمن.