ثقافة

مغامـــرات غيــــر محســـــوبة

نشهد في كل عام ظهور موجة هي أقرب إلى الموضة في مجال الدراما. حيث بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة ظاهرة الأجزاء التي كانت سائدة في الدراما المكسيكية،  واليوم تبدو ظاهرة الاقتباس من الأمور الرائجة في السوق الدرامي، ولا أقصد هنا الاقتباس عن رواية أو قصة ما، بل عن الأفلام الأجنبية التي شاهدناها في أكثر من عمل سواء تحت مسمى الدراما السورية أو المشتركة. في تلك الأعمال نوه بعض المخرجين للأصل في حين تغافل البعض عن ذلك، لكن الحيلة لم تنطل على المشاهد الذي تابع سابقاً الفيلم الأجنبي الأصلي وشاهد تفاصيله دون تغيير في المسلسل الجديد، وهو ما بدا واضحاً من خلال المواد النقدية التي تناولت تلك الأعمال، ما يعني أن هذا الموضوع طرح سابقاً أكثر من مرة، لكن ما دفعني لطرحه مرة أخرى أحد العناوين الذي قرأته في إحدى الصحف والذي يقول “شركة إنتاج تتخلى عن المخرج الذي تفرد في تعريب الأفلام العالمية بطريقة القص لصق”. طبعاً لن أدخل هنا في تفاصيل الخبر ودوافع الشركة المنتجة وعلاقتها بالمخرج، بل ما يعنيني هنا طروحات البعض ممن يروجون للاقتباس على أنه شكل من أشكال الإبداع في الدراما، وعلى أنه ناجح ومشروع انطلاقاً من نجاحه ومشروعيته في المسرح أبو الفنون، والأصل لكل ما جاء فيما بعد. لكن هل حقاً هناك تطابق بين الجانبين؟ وهل يمكننا التعويل على نجاحه مسرحياً لنطبقه في مجالات أخرى  كالدراما التلفزيونية؟.
إن نظرة بسيطة إلى بدايات المسرح ونشأته، تؤكد أن الوضع شديد الاختلاف وهو ما انعكس على تقاليد المسرح العربي والسوري لاحقاً، لأن المسرح عندما بدأ قام بتطويع الأساطير والحكايات ليجسدها على خشبة المسرح، وربما كان هذا في جزء منه نوع من الاقتباس، مما يعني أن الاقتباس جزء من تقاليد المسرح، وهذا بدا بوضوح لاحقاً في المسرح العربي، عبر اقتباس مسرحيات أجنبية وترجمة بعضها، لتأتي لاحقاً حركة التأليف.
في جانب آخر لا يمكننا مقارنة القضايا العامة الكبرى التي يتناولها المسرح غالباً والمقولات التي يمكن أن يوصلها للجمهور، والتي ربما تصلح لكل زمان ومكان مع اختلاف الجغرافيا مع ما يتناوله عمل درامي ما، والذي غالباً ما يكون مؤطراً في إطار مجتمع وبيئة محددة، وبتفاصيل قد تعني شريحة أو حالة بعينها وخروجه منها يعني فقدانه الكثير من التأثير والتفاصيل التي قد لا تعني مجتمعاً آخر، ويبدو الآن أن بعض كتابنا ومخرجينا يقومون بعكس الآية التي بدأ بها مسرحنا، فبعد أن شهدنا الكثير من المسلسلات التلفزيونية الهامة من حيث التأليف والإخراج والتمثيل، والتي حققت حضوراً وأبرزت أسماء كتاب ومخرجين مهمين إلى دائرة الضوء، نراها  تتراجع وتقتبس عن الآخر، ليس بغرض البناء على الأصل وتطويع تفاصيله لخلق نص جديد، بل بطريقة النقل الحرفي وهو ما يعني في أحد جوانبه استسهالاً، خاصة عندما يأتي التقليد نسخة مطابقة أو مشوهة عن الأصل، وهي في هذه الحالة إما أن تكون سرقة تحت مسمى الاقتباس في حال التطابق، أو عملاً فاشلاً في الحالة الثانية.
هذا وغيره الكثير يؤكد على أنه بالرغم من أن للدراما التلفزيونية جذوراً في المسرح وغيره من الفنون، ورغم أن الحدود الفاصلة تماماً بين الفنون ليست منطقية، لكن يبقى لكل فن خصوصيته وما نجح في فن قد يفشل في آخر، والدليل الواضح ما قدم  في إطار المسرح من تجارب مقتبسة ناجحة، في حين أن هذه التجارب في الدراما التلفزيونية  لم تحقق ذلك الحضور، وكان الفشل حليف الكثير منها، وهو ما ترك أثراً مشوهاً في مسيرة مخرج أو كاتب ما، فلماذا نبتعد اليوم عن الخط الذي رسمته درامانا وأثبتت من خلاله حضورها بأقلام كتابها وعدسات مخرجيها وتميز فنانيها، لنغامر في خط آخر، أثبتت التجارب إلى الآن أنه فاشل ومملوء بالعثرات وفرص النجاح والتميز فيه نادرة.
جلال نديم صالح