ثقافة

أصالة الغناء والعزف

أمينة عباس

من جديد تعيد حفلات الطرب الأصيل، التي تقدّمها دار الأسد للثقافة والفنون بين الحين والآخر، التأكيد على أن الطرب الأصيل، والمتجذر في هذه الأرض وترابها وهوائها وإنسانها، هو الفن الذي نعود إليه كلما حاصرتنا أشكال التشوّه السمعي متعددة الألوان، هذا التشوه الذي تجلّى منذ ثمانينيات القرن الماضي بسيل من (الأغنيات) الخالية من أيّ مقوِّم من مقوِّمات الأغنية الجميلة والمقبولة، ولا نقول الطربية كي لا نكون منحازين إلى جانب الأغنية الكلاسيكية على حساب تيارات (التجديد) المزعومة في الغناء العربي.
ومما لا شك فيه أن الأذن العربية، وعلى مدى عقود من الزمن، قد تعرضت لحملات شتى من ضروب محاولات تشويه الإحساس والذائقة بحيث أصبحت هذه الأذن تأبى كل ما هو أصيل ومتميز ومجدِّد من حيث المعنى الصحيح والعلمي لكلمة “تجديد”، ومما يُلاحَظ في هذا الإطار أن الأغنية العربية تعرضت لهزّات عنيفة منذ أن دخلت إليها مفردات الفيديو كليب الذي غزا الشاشات العربية لفترة ليست بالقليلة، وهي مفردات قائمة على إبراز الصورة واللغة البصرية على حساب الكلمة واللحن والصوت، بحيث أضحت هذه العناصر الأساسية في الأغنية عناصر هامشية وثانوية مقابل عنصر الصورة الذي أصبح هو العنصر المهيمن على الأغنية العربية، علماً أن فن الغناء مذ ولِد هو فنّ سمعيّ، وليس بصرياً، وهذا بحث طويل لسنا بوارد الخوض فيه الآن بقدر ما نحن معنيون اليوم بالإشارة إلى الحفل الذي أحياه الفنان إياد حنا في دار الأسد للثقافة والفنون ضمن فعالية مهرجان الموسيقا العربية الثالث، والذي قدّم فيه أغاني خالدة من تراثنا الغنائي العربي بالإضافة إلى أغنيات خاصة به لقيت الإعجاب والتصفيق.
وباعتبار أن الأداء الموسيقي وجودته، هو أحد مقاييس أية فعالية موسيقية طربية من هذا النوع، فقد لفت هذا الأداء النظر في الحفل المذكور، ولنا أن نحدد هنا ذاك الأداء اللافت الذي قدّمته الفنانة ديمة موازيني، وهي ليست المرة الأولى التي تلفت فيها موازيني الأنظار إليها من خلال أداء باهر على آلة القانون التي تعشقها، وتبدع كلما لامست أوتارها، ولا يتعلق الأمر هنا بمجرد حِرَفية ظاهرة، بل بإحساس عميق، وقدرة على استكشاف أسرار هذه الآلة وخفاياها وقدرتها، وبالتالي قدرة العازف عليها في أن يكون نجماً حقيقياً إلى جانب النجم المطرب الذي لا يحلّق بأدائه إلّا بتحليق كافة عناصر العملية الموسيقية الغنائية الإبداعية.