دراسات

حلم غبي

عمان – محمد شريف الجيوسي

ضبطت المنطقة العسكرية الأردنية الشمالية، فجر الجمعة 22 تموز 2022، متسللا بحوزته كمية من الأسلحة والذخيرة، وتم تحويله والمضبوطات، بحسب مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، أضاف أنه تم تطبيق قواعد الاشتباك مع المتسلل، ما أدى إلى ضبطه.

والسؤال: من هو صاحب المصلحة في تهريب السلاح والذخيرة إلى الأردن؟ ومن هو القادر على التهريب؟ ففي الجهة الشمالية الشرقية من الحدود الأردنية تقع قاعدة التنف الأمريكية التي تتوفر على قدرات عسكرية تقنية عالية لا تسمح للطير بالحراك دون علمها وإرادتها وتسهيلٍ منها ولمسافات بعيدة.

نعلم أن أمريكا خلّقت وصنّعت الجماعات الإرهابية في المنطقة، ومن ضمنها داعش، باعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، وحثها الجماعات الإرهابية على عدم إلقاء السلاح، وقالت بالحرف “إنهم مسلحون ومدربون وممولون جيداً”، ودعتهم في حينه لعدم التفاوض مع الدولة الوطنية السورية.

ونعلم أيضاً كيف تنقّل أمريكا هذه الجماعات الإرهابية من ساحة لساحة، حسب مقتضيات وأولويات إشعال الفتن والحروب والتدخلات والأزمات، وأن عملية نقل القواعد والذخائر والأسلحة إلى الأردن، تأتي على رأس أولويات الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الحالية.

قد يقول قائل “أن أمريكا ليست بحاجة لتهريب ذخائر وأسلحة بواسطة متسلل”، وهي كذلك فعلا ليست بحاجة لمتسللين، فأمريكا قادرة على نقل مئات آلاف أطنان الذخائر والسلاح، من أي قاعدة لها في المنطقة، أو في غيرها، إلى قاعدة أخرى في المنطقة أو خارجها، سراً وعلانية.

ولكن السؤال: هل يمكن لمتسلل أن يهرّب ذخائر وأسلحة من غير ترتيب معيّن مع المنطقة المهرّب منها السلاح (وهي هنا أراضٍ سورية محتلة من قبل أمريكا أو تحت سيطرتها – قاعدة التنف) إلى المنطقة المهرّب إليها (وهي الأراضي الأردنية) التي باتت تضم نحو 24 قاعدة عسكرية أمريكية جديدة – بحسب المصادر، حيث لم يعد ذلك، سراً – عدا القواعد الأمريكية السابقة.

من المؤكد أن أمريكا ليست بحاجة لأسلحة ولا لذخائر، فلديها في قواعدها ما يكفي وزيادة، ولكن السؤال: لم محاولة التهريب هذه؟

من الواضح أن تهريب أي كمية، مهما عظمت، ليست هدفاً بذاتها، إنما الهدف الإيحاء بأن الحدود مع سورية ليست آمنة، وتشكل “خطراً على الأمن القومي الأردني”، ما يستدعي وجوداً عسكريا أمريكياً قوياً في الأردن، ويعني أيضا صحة ومشروعية وجود قواعد عسكرية أمركية نقلت من دول في الخليج إلى الأردن.

ويتلاقى هذا الفهم مع التصريحات الواضحة للملك الأردني عبد الله الثاني حول ضرورة إقامة “ناتو عربي”، ومبرر هذا الوجود – بحسب دعاة الناتو – مخاطر أمنية قادمة من الشمال، نعلم جميعاً أن مصدرها ومنظّمها قاعدة التنف الأمريكية المحتلة من الأرض السورية.

ليس بالضرورة أن تكون قيادة القوات المسلحة الأردنية على علم، أو شريكاً، بلعبة التهريب هذه، والتي من المتوقع أن تتوالى فصولها بسيناريوهات مختلفة، تبدو حقيقية، وقد يكون دور الـ “ناتو العربي” تكرار دور تركيا في الشمال السوري، وإعاقة أي حلول تضمن عودة سورية آمنة موحدة ارضاً وشعبا، بعد فشل الحصار الاقتصادي المر، والضربات الصاروخية الإسرائيلية، عن جلب سورية إلى الحظيرة الأمريكية، بل يتبدى بعد دخول الحرب الإرهابية الدولية على سورية والحصار سنتها الـ 13، أنه يتم جلب الآخرين إليها، وأن دورها قادم أكثر من أي وقت مضى قبل شن الحرب عليها.

يجدر التنويه بأن أمريكا وبريطانيا ودول أخرى عديدة عندما شنت حربها العدوانية على العراق سنة 2003 ـ بتسهيلات إقليمية تركية وعربية، أي بعد 13 سنة من الحرب ثم الحصار، كان العراق بلا بواكٍ، وكان ميزان القوى الدولي غيره الآن، وكان العراق بلا بحور 5.. وكان الأخوة وغير الأخوة أعداء، بينما سورية الآن مختلفة كليا عن واقع العراق المر وقتذاك، كما موازين القوى الإقليمية والعالمية مختلفة تماما، وهي الآن لصالح سورية، وهي تعْبرُ إلى السنة الـ 13 للحرب والحصار، قد اكتسبت خبرات وتعاطفاً دولياً كبيراً.

غبي جداً من يظن أنه بقدرة “الناتو الأم”، أو مشروع “الناتو الإبن”، أو بغير ذلك من طرائق الحروب العدوانية والمؤامرات، تكرار سيناريو احتلال العراق في سورية، بل إن التورط في هكذا حماقات سيفتح المجال واسعاً لتصويب التاريخ وخرائط الجغرافية المفتعلة والمزوّرة على مدى عقود، فلعلها تكون فرصاً مشروعة مناسبة.

 m.sh.jayousi@hotmail.co.uk