الاقتصادات الغربية تترنّح على خلفية أزمة الغاز.. وباريس تفرض غراماتٍ على الاستهلاك
تقرير إخباري:
تفضّل الحكومات الغربية القفز على السبب الرئيسي الذي أدّى إلى أزمة الطاقة في أوروبا بشكل عام، والغاز بشكل خاص، وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها عندما فرضت عقوبات جائرة على قطاع الطاقة الروسي، راحت تحاول تغطية المشكلة من خلال اتخاذ قراراتٍ تظنّ أنها كافية للحدّ من استهلاك الطاقة، علماً أن الحديث الآن يتم في فصل الصيف مع قلة الطلب على الغاز لأغراض التدفئة في عموم أوروبا، فكيف سيكون الأمر مع بداية فصل الشتاء القاسي الذي اعتادت فيه أوروبا على التنعم بالغاز الروسي الرخيص لسدّ هذه الحاجة؟.
وإمعاناً في التعمية على السياسات الخاطئة التي اتخذتها الحكومات الغربية في هذا الجانب، أعلنت الحكومة الفرنسية مجموعة إجراءات للتخفيف من استهلاك الطاقة، في إشارة واضحة إلى نقص مصادر الطاقة بعد العقوبات الأوروبية على صادرات الطاقة الروسية ولاسيما الغاز الطبيعي.
وقالت وزيرة الطاقة الفرنسية أنييس بانييه ريوشانيه لصحيفة جورنال دو ديمانش الأسبوعية: في الأيام القريبة القادمة سأتخذ قرارين أولهما حول حظر استخدام الدعاية المضيئة بغض النظر عن حجم المدينة من الساعة الواحدة ليلاً حتى السادسة صباحاً، باستثناء المطارات ومحطات القطارات، بينما سيحظر القرار الثاني على المتاجر فتح أبوابها أثناء عمل نظام تكييف الهواء أو التدفئة، مشيرة إلى أن مخالفي هذه القيود سيواجهون غرامة تصل إلى 750 يورو مقابل الأبواب المفتوحة و1500 يورو مقابل الدعاية المضيئة.
وكان وزير الاقتصاد البولندي الأسبق، يانوش شتايخوف، صرّح بأن بولندا ستواجه مشكلات في تدفئة المنازل في الشتاء القادم بسبب الحظر المفروض على توريد الفحم الروسي.
وقال في حديثه لموقع “Wirtualna Polska”: “القرار حول فرض حظر على توريد الغاز الروسي تم اتخاذه في لحظة واحدة بشكل متهوّر وغير مدروس”.
وعبّر عن اعتقاده أن قرار وارسو كان من الممكن أن يكون له معنى إذا اتخذته بلدان الاتحاد الأوروبي كلها.
وقال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي: إن المستهلكين البولنديين سيواجهون في المستقبل القريب مشكلات بسبب نقص الفحم.
غير أن التوجّه الأوروبي نحو فرض حظر شامل على واردات الطاقة الروسية تخرقه دائماً توجّهات بعض الدول التي تدرك فعلياً طبيعة الأزمة التي خلفتها العقوبات الغربية غير المدروسة على روسيا، حيث ذكرت مجلة سبيكتيتور، أن دول الاتحاد الأوروبي ترى أن رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، يستعدّ لاتخاذ الخطوات الأولى نحو تطبيع العلاقات مع روسيا، وهذا بمنزلة “خيانة”.
ووفق المجلة، هذه تعدّ واحدة من العلامات المؤكدة على انهيار الوحدة الأوروبية فيما يتعلق بأوكرانيا في مواجهة الضغوط الاقتصادية.
وأوضحت المجلة أنه من الصعب تخيّل سيناريو أكثر إذلالاً للاتحاد الأوروبي: “دولة عضو تناشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز إمدادات الغاز”.
علاوة على ذلك لفتت المجلة إلى أنه بالإضافة إلى زيادة الإمداد بالوقود، أصرّت بودابست على تسريع بناء مفاعلين نوويين في هنغاريا من شركة روس آتوم، الروسية، منوهة كذلك بأن برلين تبذل قصارى جهدها للحصول على المزيد من الوقود الروسي من خلال خط “نورد ستريم”، على الرغم من تصريحات المستشار، أولاف شولتز، السابقة حول خطط برلين لتقليل اعتماد ألمانيا على الغاز من روسيا في أقرب وقت ممكن، فضلاً عن فشل آلية الإجراءات التقييدية المفروضة على روسيا.
كذلك ذكرت المجلة ذاتها أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بوربوك، ستتوقف عن دعم أوكرانيا في حالة حدوث نقص في الغاز.
وقالت كاتبة المقال في المجلة، كاتيا هوير: إن وزيرة الخارجية الألمانية “تلعب لمصلحة الرئيس الروسي من خلال التوجّه إلى كندا بطلب إعادة التوربينات الخاصة بخط الغاز نورد ستريم إلى روسيا.
وتعتقد كاتبة المقال أن الحكومة الألمانية فشلت في إخفاء الذعر بسبب أزمة الطاقة الوشيكة، مضيفة: إن “ألمانيا لا تزال متوترة بشكل واضح، وليس من الواضح ما إذا كانت ستمتلك ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء”.
ومع كل هذه الظواهر تصرّ الرؤوس الحامية في أوروبا على القول بإمكانية استيعاب أزمة الطاقة الوشيكة التي ستحلّ بأوروبا مجتمعة، دون أدنى حساب للآثار الكارثية التي يمكن أن تجرّها مثل هذه الأزمة وخاصة الاضطرابات الاجتماعية التي بدأت تظهر في مختلف العواصم الأوروبية، والتي تنذر بسقوط حرّ للحكومات الغربية واحدة تلو الأخرى.
طلال ياسر الزعبي