مجلة البعث الأسبوعية

انتهت الامتحانات الجامعية ولم تنتهِ مشاكلها!

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

لا تزال الامتحانات الجامعية بأسلوبها  الذي تجتره جامعاتنا منذ عقود تمثل أحد الأسباب “الثقيلة” في تطوير منظومة التعليم العالي، حيث لم تفلح الإدارات المتعاقبة على قمة الهرم التعليمي، ولا الإدارات الجامعية من الوصول إلى نظام أو أسلوب امتحاني يحقق الغاية والهدف منه في تقييم الطالب بشكل صحيح يضمن بالنتيجة مخرجات ذات جودة عالية تساهم في عملية التنمية بدلاً من أن يبقى الخريجون في الجامعات مجرد عدد يضاف إلى قائمة العاطلين عن العمل!.

على الورق نقرأ ونسمع عن نية تطوير الامتحانات ونشاهد الجولات الاستعراضية للمعنيين بشؤون التعليم العالي وهم يجولون على القاعات الامتحانية، للاطمئنان على حسن سيرها، لكن ولا مرة “كحّل” الطلبة عيونهم بقرارات تجعل من الامتحان الجامعي ممرا آمناً للعبور إلى سنة أعلى دون الغوص بمستنقع من المشكلات!

منذ عام!

في مثل هذا الشهر من العام الماضي عقد في جامعة البعث  المؤتمر العلمي لتطوير التعليم العالي في إطار معايير الجودة، جدول أعمال المؤتمر تطرق بشكل خجول إلى تطوير الامتحانات الجامعية، رغم تأكيدات وزير التعليم العالي أن “المشاركين في المؤتمر سيناقشون أهم المعايير والمؤشرات الدولية المعتمدة في الجودة والاعتمادية، بل سيعملون على تطوير ودعم معايير الجودة في المؤسسات التعليمية والهيئات البحثية بدءاً من الكوادر الجامعية من طلاب وأساتذة إلى المناهج والامتحانات والمخابر البحثية والمكتبات إلى البحث العلمي ودوره في خدمة المجتمع وربطه مع سوق العمل “.

والسؤال هنا: ما الذي حدث بعد كل الضجة التي أثيرت حول المؤتمر؟

معطيات الواقع تشير إلى استمرار الأسلوب الامتحاني الذي يعتمد في جزء كبير منه على الحفظ البصم، والسبب أن المناهج الحالية لا تترك فرصة للطالب كي يفكر ويبدع في الإجابة، لأنه بالأساس المناهج غير قادرة على تعليمه ذلك، بمعنى أسلوب الامتحانات الحالية لا يسبر بدقة معلومات الطالب وتقيمه بشكل عال من حيث الإدراك والمحاكمة للمقرر، فأي جودة واعتمادية هذه التي يتحدثون عنها؟!

الحنين إلى الماضي

في خطط تطوير الامتحانات لا نجد المبادرات الكثيرة، ففي تسعينيات القرن الماضي وتحديدا عام 1998 عقد مؤتمر وطني لتطوير التعليم وعُلقت عليه الكثير من الآمال في تغيير شكل ومضمون وآلية إجراء الامتحانات الجامعية بالنظر للمقترحات التي قُدِمت في ذاك الوقت غير أنه لم يتم الأخذ بها ومناقشتها إلا في عام 2005، لكن للأسف لم تكن الاستجابة  فاعلة، فكل ما حصل هو إدخال أسلوب الامتحان المؤتمت باعتماد الأسئلة المتعددة الخيارات، وكانت البداية في الكليات الطبية لتعمم بعدئذ على باقي الكليات العلمية وبعض الأقسام الأدبية، لكن المشكلة الأكبر أن تطبيق الأتمتة جاء على مقررات لا يمكن أتمتتها، وعلى أنقاض مناهج فقيرة بمعلوماتها ولا تواكب متطلبات الثورة التكنولوجية، وما حدث فيما بعد هو إلغاء الامتحان المؤتمت في كثير من المواد، وهو إجراء أو قرار ليس بسليم حسب رأي الكثير من أساتذة الجامعة وطلبتها، لأن الامتحان المؤتمت عدا عن كونه يحقق العدالة ويمنع الفساد ومزاجية أستاذ المقرر هو أسلوب امتحاني أفضل بكثير من الامتحان التقليدي أو المقالي، كونه يعطي فرصة للطالب باكتشاف مهاراته وقدراته التحليلية ويعتبر بمثابة اختبار حقيقي للطالب الذي جاء ليتعلم ويستثمر علمه في العمل وليس من أجل الحصول على شهادة جامعية، وهو ما يشير إلى جمود عملية تطوير نظم تقويم الامتحانات واستمرار المأزق.

ومعلوم أن الجامعات السورية كانت تتبع أسلوب الامتحان الفصلي (فصل أول وفصل ثاني) وظلت لعقود تعتمد ذلك وهذا ما أعاق تطوير شكل ومضمون الامتحانات وساهم بترهلها رغم أن النظام المذكور كان يمنح أريحية للطلاب في الدراسة وتقديم الامتحان، لكن فيما بعد غيرت وزارة التعليم العالي أسلوب الامتحانات عام 2018 باعتماد النظام الفصلي المعدل الذي يعتمد على ثلاث دورات امتحانيه بدلاً من دورتين، لكن هذا النظام لم يرضِ الطلبة ولا حتى الأساتذة، فحسب قول أحدهم “نظام الدورات الامتحانية الثلاث خلق لنا كابوساً جعلنا نرى الأوراق الامتحانية كالشبح الذي يطاردنا على مدار العام دون أية راحة”, وعلى أثر الاعتراضات أصدر مجلس التعليم العالي قراراً بإنهاء العمل بالنظام الفصلي المعدل والعودة إلى النظام الفصلي بدءاً من العام الدراسي 2019-2020.

المادة العقدة!

لا يتردد العديد من الطلبة في كلية الحقوق من القول “إن المناهج الحالية لا تخرّج طلبة مؤهلين بشكل جيد لممارسة المهنة مستقبلاً”، وفي سؤال لهم عن المنهاج أشروا إلى وجود مواد فيها الكثير من الحشو الزائد الذي يمثل عبئاً ثقيلاً عليهم في الامتحانات، مشيرين إلى وجود بعض المواد التي تمثل “عقدة” صعبة، حيث تقف عقبة في طريق تخرجهم لسنوات، علماً أنهم أثناء الامتحان يجيبون على كل الأسئلة بشكل يضمن لهم النجاح بأريحية، متسائلين: كيف نثق بامتحاناتنا طالما الذي يكتب صح يرسب وغير المبالي ينجح؟!.

طبعاً مشكلة المادة ا”العقدة” لا توجد فقط في كليات الحقوق وإنما في كل كلية على الأغلب، حيث هناك مواد تشكل عائقاً تعرقل وتؤخر تخرج الطلبة بسبب مزاجية مدرسيها، وتفيد شكاوى الطلبة أن نسب النجاح قد تصل ببعض المواد إلى صفر، أو لا تزيد عن الـ 5% ويمكن أقل وهذه النسبة مخالفة للأنظمة الجامعية، لهذا يؤكد الطلبة على ضرورة أن تخضع العملية الامتحانية في الجامعات السورية إلى مراقبة فعالة، وضوابط وعقوبات تطال حتى الأساتذة الذين لا يبالون بتعب الطلبة.

بالمختصر، امتحانات جامعاتنا بحاجة لتصويب لتصحيح مسارها وتحقيق أهدافها في تقييم الطالب بشكل جيد وعادل وذلك لا يحدث إلا من خلال إحداث مركز وطني لتطويرها يقترح الحلول ويضع السياسات المناسبة لترجمتها لنصل بالنتيجة لمخرجات جامعية تقوي حضور الجامعة ودورها في التنمية وبنفس الوقت ترفع من أسهم جامعاتنا في الترتيب العالمي، وصدق من قال إن الامتحانات هي شرف الجامعة، وعنوان هيبتها، ولا شك هذا تحد كبير يتطلب استنفار كافة الجهود من أجل الارتقاء بمستوى الشهادة الجامعية السورية التي يتم استهدافها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة!.

gassanazf@gmail.com