لوحة العازفات “مريمين”.. تحفة فنية خلدت على العملة النقدية السورية
حماة- ذكاء أسعد
هي فرقة موسيقية نسائية مكوّنة من ست فتيات يعاونهن اثنان من آلهة الحب المجنحين، ترى فيها الفتاة الأولى من اليمين وهي ترقص وبيديها صنجان نحاسيان لإصدار صوت الرنين، أما الفتاة الثانية فتجلس خلف طاولة وتمسك بقضيبين تنقر بهما على ثمانية أواني نحاسية وضعت بها كميات متفاوتة من الماء لتصدر نغمات السلم الموسيقي، وتعزف الفتاة الثالثة على قيثارة ذات تسعة أوتار عمودية، بينما تعزف الفتاة الرابعة على ناي مزدوج وبيدها الثانية ناي آخر، أما الفتاة الخامسة فتعزف على الأورغن النحاسي الذي يظهر في اللوحة مؤلفاً من أنابيب ذهبية ذات أحجام مختلفة ويعمل بنفخ الهواء فيه باستعمال قرب جلدية تداس بواسطة آلهة الحب، وفي يسار اللوحة نلاحظ الفتاة السادسة التي ربما تمثل قائد الفرقة الموسيقية ونرى أرضية خشبية تمثل المسرح.
هي ليست فرقة موسيقية عاصرت الأجيال في زمن ماضٍ، بل لوحة فسيفسائية أهدتها مدينة حماة لعالم الآثار لتعبّر عن عزف فرقة موسيقية.
يحدثنا عبد القادر فرزات رئيس الجمعية العلمية التاريخية في حماة عن هذه اللوحة الفريدة الموجودة في يومنا هذا في متحف حماة الوطني، والتي تعود للقرن الثالث ميلادي، مؤكداً العثور عليها عام 1960 في أحد بيوت قرية مريمين الواقعة على الطريق الواصل بين مصياف وحمص، تبلغ أبعادها نحو 5 ونصف متر طول و4 ونصف متر عرض، وقد نُفّذت بأحجار دقيقة من الرخام والزجاج بأبعاد 3×3 مم.
تعتبر هذه اللوحة -حسب فرزات- بمثابة وثيقة فنية عن كيفية العزف على الأورغن، حيث نلاحظ طفلي الحب في يسار اللوحة وهما يدوسان على القرب تحت أرجلهما ويتحكمان في كمية الهواء الداخل إلى الأورغن بأربطة يمسكان بها.
لها أكثر من إطار، الأوسط مزين بنبات الاكنثوس وبعض الأزهار، ونرى أطفال الحب كصائدين لحيوانات مفترسة، ويتوسّط كلّ جانب من جوانب الإطار وجه يمثل فصلاً من فصول السنة، فيرى الناظر إليها الربيع بوجه فتاة، والصيف بوجه شاب، والخريف بوجه رجل تقدم به العمر، أما الشتاء فيراه الناظر شيخاً هرماً.
تعدّ هذه اللوحة من أهم وأجمل اللوحات التي عُثر عليها في سورية أرض الحضارات، وتقديراً لأهميتها الأثرية تمّ تخليدها من قبل الحكومة وطباعتها على العملة النقدية من فئة 500 ليرة المحدثة عام 2014. ويؤكد فرزات أن اللوحة سليمة وبحالة جيدة، حيث تمّ المحافظة عليها وحمايتها من العبث، إذ قام فرزات عام 2015 وبمساندة ثلة من الأوفياء بتغطيتها بطريقة فنية سليمة للحفاظ على رونقها الحضاري عن طريق صبّ طبقة من البيتون المسلح على شكل منصة توحي بأنها مسرح كنوع من التمويه، ولاتزال محفوظة في المتحف حتى تاريخه.