لن تنجو أوروبا من أزمة الشتاء
ريا خوري
لن تنجو أوروبا من الأزمات التي ستقع على رأسها نتيجة اتباعها السياسات الأمريكية ضد روسيا، فقد بدأ الخوف والقلق يكبران يوماً بعد يوم مع اقتراب فصل الشتاء، حيث أعلن عدد كبير من القادة الأوروبيين أنّ بلدانهم ستقع في أزمة حادة، وأنهم عاجزون عن تجنّب كارثة كبيرة يصعب الخروج منها.
لقد فقدت أوروبا تماسكها، وفشلت في توحيد مواقفها مما يجري في الساحة الأوكرانية، وأدركت أنها تعيش حالة من التخبّط وفقدان التوازن، وهو ما تبدو آثاره على أمن واستقرار شعوبها، وخاصةً الغذائي منه. هذه الحالة المزدوجة أفرزت الكثير من التناقضات والخلافات البينية، وبدلاً من وحدة الموقف الأوروبي وتماسكه، ظهر الانقسام الأفقي والعمودي بشكل واضح بما فيها الدول الكبيرة والقوية مثل ألمانيا التي تشكل العمود الفقري للاتحاد الأوروبي.
إن ما تعيشه أوروبا اليوم من تخبّط وفقدان توازن على أكثر من صعيد يُشعرها بالألم لأنها تريد الشيء ونقيضه في آن معاً، فهي تريد التخلي عن الغاز الروسي، ولا ترغب في وقفه من جانب روسيا الاتحادية، وتريد في الوقت نفسه فرض العقوبات الصارمة على روسيا، ولا ترغب في أن يتأثر اقتصادها ومجتمعاتها بتلك العقوبات التي بدأت تنعكس سلباً عليها!. لذلك لجأت إلى البحث عن حلول لمشكلاتها التي بدأت تتفاقم بشكل متسارع، حيث وضعت الخطط والبرامج لتعويض نقص الغاز، أو وقف الإمدادات الروسية بشكل نهائي في حال قرّرت روسيا ذلك. لكن ونتيجة لفقدان البوصلة، وحجم الكارثة الكبير، لم تستطع تلك الخطط والبرامج تقديم حلول عملية لدول الاتحاد الأوروبي، وخاصة لجهة الغلاء المتسارع، وارتفاع أسعار التكلفة. على سبيل المثال، عانت ألمانيا -أقوى قوة اقتصادية في أوروبا- من ارتفاع قيمة وارداتها من الغاز إلى مائة وستين بالمائة في الخمسة أشهر الماضية. من جهة أخرى، خضعت ألمانيا للظروف المستجدة إلى خفض الاستهلاك الطوعي بنسبة خمسة عشر بالمائة من ضمن برنامج وخطة التخلي عن الغاز القادم من روسيا بدءاً من شهر آب الحالي وحتى شهر آذار القادم. في المقابل، رفضت العديد من الدول تقاسم ما لديها من غاز مع باقي دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها البرتغال وبولندا.
وبحسب العديد من التقارير، ارتفعت أسعار الغاز في دول أوروبا حتى وصلت إلى نحو مائة وسبعة وتسعين يورو لكل ميغاواط/ ساعة، أي بنسبة 5،9%. ويشير العديد من الخبراء المختصين إلى أن الغلاء وصل إلى حدود غير مسبوقة، وأن الأسعار سجلت ارتفاعاً كبيراً تجاوز عشرة أضعاف المتوسط خلال الفترة بين عامي 2010 و2020، فوصلت إلى نحو مئتين وخمسة عشر يورو لكل ميغاواط/ ساعة في الأيام الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شهر شباط الماضي. ونتيجة لذلك، برزت الإحباطات بشكل فاضح في أوروبا، مما استدعى مطالبة عدد كبير من القادة الأوروبيين من الصف الأول والصف الثاني برفع العقوبات عن روسيا، لأن ما وضعته من خطط وبرامج وسياسات لم يتمكّن من إخضاع الاقتصاد الروسي وإرضاخه كما كانوا يعتقدون، وبات الأوروبيون أنفسهم حكومات وشعوباً هم من يدفعون هذا الثمن الباهظ.