تراتبية البطر..!
علي بلال قاسم
دائما ما نبحث عن مراتب متقدمة في التصنيفات الإنتاجية، متناسين أننا الأوائل في تراتبية البطر الجائر بحق ما تنبته أرضنا وتصنعه معاملنا، ومثالنا الطازج اليوم ما تعرض له مخزون زيت الزيتون من انتهاكات تسويقية غير مدروسة أفرغت الخزانات الاستراتيجية والخوابي الفردية لدى المزارعين والمنتجين من احتياطي لطالما تغنينا به كغيره من المحاصيل، لنكتشف في طرفة عين أن نقصاً أصاب السوق الداخلي بعدما انزلقت قطرات الزيت من بين الأيدي، فأضعنا المحصول رخيصا وتمت المتاجرة به غالياً.
لا يمكن تحييد الأسعار عن مسؤولية وصول سعر صفيحة زيت الزيتون إلى مستوى فاحش بلغ الثلاثمئة ألف ليرة، ولكن قلّ هناك من استجوب نفسه والآخرين عن ملابسات أخرى لهذه المواصيل؟ بالرجوع قليلاً إلى الموسم الماضي كانت الصفيحة بحدود الـ 200 ألف ليرة رغم أن الظروف والأحداث هي نفسها، وكان الإنتاج جيداً، لكن الضربة القاصمة كانت باستغلال التجار وتواطئهم مع سماسرة محليين بهدف تجميع أكبر كمية من مدخرات المزارعين ليس بهدف التصدير الاعتباطي والمشوَّل – كما يقال – بل احتكار نسبه مهمة من الكميات المشتراة بسعر الجملة (أي 230 ألف ليرة) وتصدير الباقي تهريباً، وهي الخدعة التي وقع فيها الكثيرون، لتمر الأيام على وقع فقدان الحيز الأكبر من الاحتياطي الموزع بين أيدي المزارعين، وتفرد عصبة من المتاجرين بالتحكم بسياق الأسعار التي سرعان ما بدأت تتصاعد شيئا فشيئا لتصل إلى ما نحن عليه الآن، أي 300 ألف ليرة.
إذاً.. ألف باء القصة أن المسألة ليست مجرد بورصة سوق، بل مادة شبه مفقودة تزامنت مع توقعات بإنتاج غير مضمون لهذا العام، ما أفضى إلى تمنُّع المزارعين عن التفريط بما تبقى من مؤونة، ومع الطلب المتذبذب اضطربت السوق وبتنا أمام قلة عرض واختلال من جزئياته تنوع سعري لم تفلح مؤسسات التدخل الإيجابي بتحقيق التوازن فيه!!
قد تكون إشكاليتنا الأساسية ليس في السماح بالتصدير أو منعه بهدف ضبط إيقاع أسعار السوق، بل بطرق وأساليب التصدير نفسه الذي يصر عرابوه على ضخه بالبراميل، غير معبأ أو ممهور بالعلامة التجارية السورية، ما يفقد القيمة الاقتصادية والتسويقية السورية حضورها وشهرتها التي تستحق، حتى مع إصرار وزارة الاقتصاد على منع تصدير زيت الزيتون بشكله الدوكمة أو بعبوات تزيد على سعة 5 ليترات حتى نهاية العام الحالي، مع التذكير أن ثمة دراسات اقتصادية تضمنت مقارنة الإنتاج بحاجة الاستهلاك المحلي، حيث تبين – كما تقول مصادر حكومية – عدم وجود فائض بهذه المواد، وبالتالي لا بد من إيقاف تصديرها لتأمين احتياجات السوق المحلي.
بالعموم، لا تنتظر أيها المستهلك انفراجا مع قرب القطاف والعصر، لأن تعويض النقص في المخازين يحتاج لسنوات قادمات، والمزارع الذي اكتوى من المتاجرين سينفخ على اللبن ولن يفرط بما يدخره وسينتجه هذا الموسم…؟!