في عيد الصحافة.. الصحافة السورية والإعلام السوري وضرورة التطوير
لم تعد الآلية والنمطية التي يشتغل عليها الإعلام السوري بشكل عام تستجيب لرغبات الجمهور وسوق الصحافة والإعلام ورغبات القراء ولا تتماشى مع حاجات التطوير ويومياته، وهذه ظاهرة واجهتها الكثير من الصحف ووسائل الإعلام في دول العالم، ولكنها استطاعت تجاوزها عبر تطوير خطابها ومضامينها وشكلها الإخراجي، وهذا يرتب على القائمين على الصحافة السورية والإعلام المرئي مواجهة ذلك التحدي والسعي الحثيث لتطويره، شكلا ومضمونا، ما يفسح في المجال لزيادة عدد القراء والمتابعين بشكل كبير حيث تدل الاستبيانات واستطلاعات الرأي التي أجرتها بعض وسائل الإعلام، ومنها استبيان قامت به صحيفة “الثورة” منذ أكثر من سنتين، دون التعامل مع نتائجه وخلاصاته مع الأسف، حيث خلص إلى تراجع عدد القراء لمجمل الصحف السورية خلال سنوات الأزمة، إذ بلغ عدد نسخ الصحف المطبوعة يوميا حتى عام ٢٠١١ حوالي ٣٠٠ ألف نسخة، وهي الصادرة عن مؤسسة الوحدة (“الثورة” و”تشرين”)، والصحف الخمس الصادرة في المحافظات، إضافة لصحيفتي “البعث” و”الوطن”.
إن الصحافة والإعلام بكل صوره وأشكاله، شأنه شأن أي منتج ثقافي، بحاجة مستمرة إلى التطوير لمواكبة ما هو حاصل في عالم الميديا والفكر والثقافة. وإذا كان من ملاحظات وأفكار تتعلق بذلك فهي بلا شك حاضرة في ذهن القائمين والمهتمين بالشأن الإعلامي، بما في ذلك من هم في مفاصل العمل ومواقعه، سيما وأن ندوات قد عقدت قبل عدة أيام لهذا الغرض، إضافة للمهتمين بالشأن الثقافي والسياسي.
ولا شك أن الصحافة الفاعلة والقادرة على تلبية حاجات الجمهور ورغباته تحتاج لمجموعة من الشروط يأتي في مقدمتها الكادر والخطاب والتقانة والمعلومة والابتكار والراحة المادية للإعلامي بحيث يكون منكبا بشكل أساسي على عمله الإعلامي وتطوير إمكاناته وثقافته، مطلعا بشكل جيد على ما يدور في العالم من أحداث، وما هو حاصل في عالم الصحافة والإعلام من تغيير، بحيث ترتقي مهنيته وتتسع دائرة اطلاعه ومواكبته للأحداث، ما يمكنه من دقة التحليل والقراءة الصحيحة، إضافة لمعرفته العميقة بواقع مجتمعه وحاجاته وطبيعة التحديات التي تواجهه وتعيق تقدمه ورفع مستوى حياته ووعيه.
إن العناصر التي أشرنا إليها ليست كافية للوصول إلى صحافة فاعلة مؤثرة مقروءة، فلابد للصحافة والصحفي من العيش في بيئة من حرية التعبير، وقبل ذلك حرية التفكير، فالصحافة – كما يجري القول – ورقة وقلم وحرية، وهنا تلعب طبيعة النظام السياسي دوراً كبيراً في ذلك، فصحافة هي صدى للسلطة أو الحكومة، أو صحافة تتحكم بأقلام محرريها الأجهزة، لا يمكنها أن تكون صحافة مقروءة وفاعلة، ولا تعدو كونها صدى لمن يتحكم بها ويقيد حرية العاملين فيها، ما يفقدها حيزها ورصيدها من القراء، وبالتالي تتحول إلى صحف إعلانات تجارية ونعية للوفيات.
لقد طرحت العديد من الأفكار منذ أكثر من عشر سنوات، وخلالها، لتطوير الصحف السورية شكلاً ومضموناً، وما زالت في أدراج أصحاب القرار، ومنها لدى الحكومات المتعاقبة دون أن تجد الاستجابة المطلوبة من مراكز القرار الإعلامي، على الرغم من الصدى الطيب والإشادة التي قوبلت بها تلك المقترحات، ومنها أن تختص إحدى صحيفتي “الثورة” و”تشرين” الصادرتين عن مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر بالشؤون السياسية الفكرية، والأخرى بالشأن الاقتصادي والخدمي والثقافي، أو تصدر الصحيفتان بطبعتين صباحية ومسائية، بحيث تواكبان الأحداث الطارئة مع تسمية جديدة للطبعتين الصباحية والمسائية، كأن تكون “سورية المساء” أو “الشام”، ليكون الحدث الاجتماعي المتعلق بحاجات الناس وحراك المجتمع ونشاطاته العنوان العريض والمحتوى للصحيفة، إضافة إلى إقامة لوحات زجاجية في الكليات الجامعية ومراكز التجمع في المدن الكبرى تعرض فيها الصفحات الرئيسية لتلك المطبوعات، ليتمكن الجمهور من الاطلاع عليها، ومن ثم اقتنائها كأسلوب من أساليب الإعلان والدعاية لها.
إن النمطية التي تسير وفقها الصحف الرسمية، ناهيك عن كلفها المادية المرتفعة، لم تعد مقبولة حتى من قبل القائمين على الصحافة والإعلام ذاتهم، ناهيك عن العزوف من قبل القراء، وهو ما تدل عليه أرقام الطباعة التي تراجعت، حسب ما نعلم إلى ما دون ٣٥٪، ناهيك عن المرتجع، ما حدا بالقائمين على الإعلام لوقف طباعة الصحف ورقياً والاكتفاء بالصحافة الالكترونية، ما ىيستدعي الحاجة لخطوات جديدة في إطار العودة نسبياً على الأقل للصحافة الورقية ضمن خطوات تطويرية حقيقية باتت ضرورة ملحة تستدعي القيام بخطوات عملية لإنعاش الصحافة السورية بجناحيها الخاص والعام، والسعي لعودة الروح للصحافة السورية التي كانت الرائدة على مستوى الصحافة العربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تاريخ ولادة الصحافة الصادرة باللغة العربية على يد رزق الله حسون الحلبي، وصولا للخمسينيات من القرن الماضي حين كانت تصدر في دمشق والمحافظات السورية أكثر من أربعين مطبوعة بين صحيفة ومجلة ما زال الكثير من عشاق الصحافة يحتفظون بالعديد من نسخها واصداراتها.
وفي عيد الصحافة، نهنئ الإعلاميين السوريين ونترحم على شهداء الإعلام، وكلنا أمل بأن ثمة إعلاميين سوريين متميزين يتواجدون في مفاصل العمل الإعلامي، ولديهم الرؤية والكفاءة للنهوض بالصحافة السورية، وثمة آذان صاغية تتفاعل مع هؤلاء إن صدقت الإرادة والعزيمة وتوفرت متطلبات النجاح.
د. خلف المفتاح