الفهم الشعبي !
بشير فرزان
إزاحة الستارة أو الغطاء عن مخالفات المواطن والموظف الحكومي على اختلاف مستوياتهم تكشف لنا مدى خطورة الواقع الذي يعيش حالة من الفوضى والعشوائية في ظل المواجهة الساخنة التي تدور رحاها بين الفهم الشعبي الجديد للمخالفات بما في ذلك الاجتهادات الشخصية والتفسيرات القانونية التي تحاصر روح القانون وتمنعها من تحقيق الهدف الذي وجدت من أجله وبين القوانين والأنظمة التي حرفتها الأجهزة الوظيفية التنفيذية عن مسارها دون وجه حق وبشكل تغييب معه صحة التوجه و صوابية الرؤية القانونية للمشرع الذي يعمل ويسعى من خلال قانونه على ردم الفجوات وتجاوز الأخطاء المتراكمة وحلحلة العقد وإنصاف الناس الذين يطرقون الأبواب بحثا عن حقوقهم المطمورة بين مئات القوانين والتعاميم والبلاغات المنزلقة في نفق عدم التطبيق.
ويمكن وإسقاط هذه الحالة على الكثير من القضايا التي لها علاقة بموظفي الدولة أو بالناس العاديين (الوسطاء) الذين يمتهنون وبكل صفاقة تجارة القانون في مجتمعنا الذي يعاني من انفصام أخلاقي واجتماعي وقانوني مخيف بعد أن استفحلت فيه المخالفات التي بدلاً من قمعها ومحاسبة المسؤولين عنها تحولت وبمشاركة ومساهمة الجميع إلى منظومة ثقافية وهذا الكلام لايقتصر على هذه الفترة فقط أي سنوات الحرب بل يعود إلى ماقبل ذلك بسنوات عديدة عندما كنا جميعا نحارب الفساد بشعارات فضفاضة ونهلل ونطبل لكل من ينجح في اختراق القانون وتغييب سلطته تحت تسمية (الشطارة) التي حلت مكان مصطلح (الفساد) وشيئا فشيئا تلاعبنا بالكلمات وأسقطنا مشروعنا الكبير في مستنقع من الطلاسم وسمحنا وبشكل متعمد بتسلل المفاهيم المزدوجة والمعايير الناقصة إلى حرب الإصلاح بكل جعحعتها وطحنها المفقود.
ما نريد قوله بصراحة يخص أو يتعلق بقضية ترقى إلى مستوى الكارثة المجتمعية خاصة مع انقلاب الكثير من المفاهيم والقيم التي انخرطنا جميعاً بشكل تام في مشروع تجميل الكثير من المخالفات والممارسات التي جعلتنا نبرر للموظف ممارساته الخارجة عن سلطة القانون بصفقاته التي تمرر من تحت الطاولة وضد مصلحة المواطن والمؤسسة التي يعمل بها ورغم علمنا المسبق بأن إثارة هذا الموضوع ستثير حفيظة البعض تحت عنوان (التشاؤم ) إلا أننا نجد من الضروري مع ضخامة تداعياتها طرحها كقضية رأي عام وإيصال الصوت إلى أصحاب القرار أينما كانوا ليبادروا بالمراجعة و اتخاذ القرارات المناسبة والكفيلة بإنقاذ المصلحة العامة من الاحتراق بشرارة اللامبالاة المدعومة بالاجتهاد الشخصي والتطبيق الكيفي للقانون .. أن اعترافنا بكثرة القوانين التي تنظم يوميات الناس بكافة تفاصيلها يقابله الإصرار على أن العبرة تبقى في التطبيق والقدرة على لجم المخالفات أياً كانت.