دعم “غير مرئي”..؟!
بشير فرزان
لا شكّ أن غياب الرؤية الواضحة والمعتمدة حول مستقبل القطاع الحكومي “العام”، بات الأقوى حضوراً في الحياة العامة، وصار مدعاة للتشكيك ببقائه واستمراره كحالة تمثل أبوية الدولة التي يشكّل التخلي عنها إرباكاً للمواطن، وتحديداً صاحب الدخل المحدود، الذي أودع حياته في عهدة هذا القطاع الذي يؤمّن له ولأولاده كلّ مستلزماته من تعليم وطبابة وسكن وكهرباء واتصالات وغيرها من الخدمات التي تمثل قوة الدولة وقدرتها على احتضان المواطن وامتلاك المفاتيح الأساسية في توجيه وقيادة المجتمع بأكمله.
ومع تضاعف حجم العجز في القطاع الحكومي، باتت مجانية التعليم مجرد أحرف مقارنة بالجودة التعليمية الخاضعة تماماً لقيمة الأجور المتدنية التي كانت سبباً رئيسياً في تفاقم ظاهرة النقص الشديد في الكوادر التدريسية عاماً بعد عام، هذا عدا عن انخفاض قيمي فظيع في التدريس العام وبشكل ساهم في ظهور المعاهد الخاصة “المتابعة”، والحال ذاتها في الجامعات التي كانت منارات حضارية ومن أوائل الجامعات في العالم، والأمرُ ذاته في المشافي العامة، وخاصة لو نظرنا لنوعية الخدمات المقدّمة فيها، وما يتعرّض له المواطن من قبل بعض الكوادر التي حوّلت مسارها الوظيفي نحو الارتزاق والاستغلال، رغم الدور الكبير الذي قامت به لعقود طويلة في معالجة الناس وتقديم أرقى وأفضل الخدمات الطبية. وطبعاً لا يمكن تجاهل أنها ما زالت الملاذ الوحيد أمام الفقراء مقارنة بالفارق المادي الكبير مع المشافي الخاصة، والذي يصلُ إلى ملايين الليرات السورية، وكذلك في التعليم المدرسي أو الجامعي.
ولا يختلفُ اثنان على أن اختلاف الظروف “الحرب والحصار” شكّل منعطفاً في مسيرة الأداء الحكومي، إلا أن ذلك لا يلغي أن هناك فرقاً كبيراً بين ما يُرسم على الورق من إجراءات سريعة وملحّة تقدّمها الحكومة لإصلاح وإنعاش ما تبقى من مؤسّسات القطاع العام عبر محاولات نعتبرها غير مرئية لدعمه وتفعيله، وبين الواقع الذي يثبت بنتائجه أنه ليس هناك عمل مؤسّساتي بالمعنى الصحيح للكلمة، فتزايد الأعباء المعيشية في حياة الناس ومعاناتهم المادية الكبيرة يبرز حقيقة تعاظم حضور أيادٍ خفية تدفع بهذا القطاع نحو الهاوية التي تبتلع آمال وأحلام الفقراء بالتعلّم والطبابة وغيرها من الخدمات، والتي يكفي اتخاذ خطوة إصلاح واحدة وحقيقية لتعود الأمور إلى مسارها الصحيح في العمل المؤسّساتي الحكومي. وهنا يكمنُ سرّ تمسّك الناس بالقطاع الحكومي الذي يجسّد برأيهم قوة الدولة وحضورها الحقيقي في المجتمع بامتلاكها كلّ مفاتيح الاقتصاد من كهرباء وماء وطاقة ووقود وخبز وطحين.. فهل هناك أمل بإنعاش المؤسّسات الحكومية أم فات الأوان؟