ثقافةصحيفة البعث

تداعيات الشعر وأدوات التخريب

محمد خالد الخضر

إن أهمّ ما يجب أن يفعله أيّ قائم على عمل أدبي أو إعلامي قبل أن يتصرّف شيئاً بما يخصّ الشعر هو البحث عن معنى هذه الكلمة في معجم من معاجم اللغة، وهذا أقلّ ما يمكن، لأن معنى الشعر غالباً ما يتناقض مع معظم التسميات التي تتصدّر المنابر الآن، ويتورّط الإعلاميون أغلبهم بتغطيتها.

وأصبحت المقاييسُ دعوة لتوقيع كتاب دون معرفة الحاضرين أن هذا الكتاب قد يكون عملية افتراء مدبرة من بعض النقاد الذين لا يمتلكون غير حالات مرضية وعقد سيكولوجية يورّطون من خلالها بعض النساء، على الأغلب، لتفكيرات مغلوطة وغير محققة غالباً أو تقاضي بعض الأجور المادية من الرجال، وهذا ينطبق على الوصول إلى المنابر وبعض اللقاءات الصحفية والتلفزيونية!.

وأنا أشدّد على المعنيين والقائمين على الزوايا الثقافية أن يكون الأمر باهتمام ضمائرهم، لأن الشعر من أهم مقومات الثقافة العربية.

قال أبو تمام:

ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت… حياضك منه في العصور الذواهب

ولكنه فيض العقول إذا انجلت… سحائب منه أعقبت بسحائب

وقال طرفة بن العبد:

ولا أغير على الأشعار أسرقها.. عنها غنيت وشر الناس من سرقا

وقال زكي قنصل:

كل شعر لا وزن فيه ولا… معنى هراء أصوله أجنبية

شرف القول أن يكون فصيحاً… لم يلجلج إلا خبيث الطوية

وقال ابن النقيب:

الشعر ضرب من التصوير قد كشفت

منه القرائح عن شتى من الصور

فاعمد إلى قالب عن تدمثه

وافرغ به أي معنى شئت مبتكر

وقال الأعشى:

وفضلني في الشعر واللب أنني… أقول على علم وأعلم ما أعني

هذا بعض ما قاله كبار شعراء العربية، فاعلموا أن كثيراً مما يحدث هو في النهاية تخريب بنيوي لمستقبل أبنائكم ووطنكم، فالشعر ليس سجعاً بالمطلق وصفّ كلام، والشعر ليس جلوساً فقط وراء كرسي حتى لو ذهب بعض أنصار المصالح من بلد لبلد ليطبلوا له، والشعرُ وخاصة الآن لا يقيّمه طباعة كتاب، وكثير من دور النشر بمقابل ما يمكن أن تفعلها وتطبع كتباً.

حتى لو كتب صحفي عن شاعر لا يعني أنه شاعر، فكم من صحفي يضطرب (ويخربط) بين المقفى والموزون، ولا يعرف أنه إذا ابتعد الوزن يتحول إلى سجع، وهناك من يدّعي أن الشعر لا يستوعب المرحلة المعاصرة وما فيها.. اسأله: هل تعرف البحر الوافر من البحر الأبيض المتوسط؟.

وهذه شواهد اهتمّت بها كثير من المؤسسات الثقافية والإعلامية، تقول الشاعرة التي يعدّها بعض نقاد العصر من أهم الشعراء:

سلام يا دمشق فقد أتعبوك.. وياسمينك/ اغتالوا/ وأبكوك.. سامحينا عجزت أقلامنا وعجزت إراداتنا.. عن حمايتك.. فالحقد أعماهم فطعنوك. وقالت أخرى: يا حبيبي أنت نعمة من ربي.. لكن بها إكرامي وبها حرماني.. قدرة بها أنت من الله عشقتها.. منعني منها وبها أغناني.

هكذا يفعل بعض النقاد…. فماذا بعد؟؟!

لذلك أهم مقومات حماية الشعر هي الشرف في العمل، وهذا يقتضي أن يعدّ مدير أي مؤسسة ثقافية للآلاف قبل أن يوجّه دعوة لشاعر جديد ويستقرئ ويستشير أصحاب الخبرة إن لم يكن اختصاصه بهذا المجال الثقافي.. وأن تسعى المؤسسات الإعلامية لإرسال من يفرّق بين شعر وسجع وبين شعر وشعر بفتح الشين.. لأن الفرق شاسع بين نشاط ثقافي ونشاط ترفيهي، وبين توقيع وترقيع، وبين منبر مقدس ومنبر مدنس، الوطن وثقافته أمانة بشرفنا، تعالوا معاً نكون في وجه الليبرالية الأمريكية الحديثة المخربة على أنها أخطر أنواع الغزو الثقافي.