هذا ما واجهه الفلاح من غبن ونقص بالمستلزمات..!
علي عبود
عندما أعلن وزير الزراعة بتاريخ 18/ 1/ 2022 أن نسبة المساحة المزروعة بالقمح والشعير وصلت إلى 90%، تفاءلنا وتوقعنا أن إنتاجنا سيتجاوز هذا العام 1.5 مليون طن من القمح على الأقل. وكان مبعث تفاؤلنا أن المساحة المزروعة بالقمح حسب بيانات وزارة الزراعة بتاريخ 17/ 2/ 2022 بلغت 1.17 مليون هكتار، فإذا كان مردود الهكتار الواحد 1.2 طن، فهذا يعني أن إنتاجنا لن يقلّ عن 1.5 مليون طن، لكن الكميات المسوّقة لم تتجاوز 520 ألف طن، أي أكثر بقليل من (عام القمح)!!
وإذا كان التعويلُ على المساحة المروية، أي المضمونة، فقد بلغت 552966 ألف هكتار، وبما أن مردود الهكتار المرويّ في حال توفرت له المستلزمات الكافية لا يقلّ عن 2.8 طن مقارنة بالسنوات السابقة، فهذا يعني أن إنتاجنا من القمح المروي كان يجب ألا يقلّ عن 1.4 مليون طن، ومع ذلك كانت النتائج أكثر من محبطة.
وأمام هذه الأرقام الهزيلة التي تتكرّر عاماً بعد عام لا نجدُ لدى وزارة الزراعة سوى التبريرات للتقصير المستمر بتأمين مستلزمات إنتاج حاجتنا من مادة استراتيجية تتباهى وزارة التجارة الداخلية أنها تؤمّنها بالاستيراد وليس بالاعتماد على الذات. ولا نختلف مع وزارة الزراعة بأن الجفاف أثّر على القمح البعلي، لكن الواقع يؤكد أننا منذ تسعينات القرن الماضي كان الاكتفاء الذاتي من القمح يأتي من المرويّ لا البعلي، فما الذي تغيّر؟!
المستجد في إنتاج القمح هو عدم تأمين مستلزمات الاعتماد على الذات، وكانت بدايته برفع أسعار المحروقات في عام 2008، واستمر الرفع في السنوات التالية، ورافقه رفع موازٍ لجميع مستلزمات الإنتاج، وبالتالي كانت النتائج متوقعة وليست مفاجئة، والمناخ آخر المسؤولين عن تحوّل سورية من مصدّر إلى مستورد للقمح!
وإذا أردنا الدخول بتفاصيل أكثر فإن رحلة الفلاح الشاقة التي تبدأ مع الأيام الأولى لزراعة الحبوب تكشف لنا أسباب تراجع الإنتاج وزيادة الاعتماد على الاستيراد.
تبدأ رحلة الفلاح بالتمويل، سواء عبر المصرف الزراعي أو بالاستدانة من المُرابين، يليها تأمين الأسمدة الضرورية للإنبات الوفير، والتي لم تكن متوفرة بالكميات الكافية من المصرف الزراعي، فاضطر لشرائها من السوق السوداء في حال كان مقتدراً مالياً أو اشترى الحدّ الأدنى من حاجة محصوله لها!. وعندما حان وقت الريّ لم يكن المازوت المدعوم كافياً، فاضطر “المتمكن” لشرائه بالسعر الحر أو الأسود، والكثير من المساحات عانت من العطش الشديد والمياه متوفرة قربها كالغاب مثلاً!!.
وفي زمن الحصاد، دفع الفلاح “المعلوم” وهو مرتفع جداً، لأن الحصَّادات المخصّصة للقمح لا تتجاوز 5% من الحاجة الفعلية، وكان نقل المحصول من الحقل إلى مراكز التسويق بمثابة بازار بفعل غلاء أجور الشاحنات التي استغلت ارتفاع سعر المحروقات لتتقاضى أجوراً باهظة، فأجرة النقل لمسافة قصيرة لم تقلّ عن 500 ألف ليرة. ورافق كلّ ذلك إجحاف بتقدير نسب الشوائب، إما بقصد الحصول على إكراميات أو لعدم دفع السعر كاملاً للفلاح.. إلخ.
هذا ما يحصلُ مع مزارعي الحبوب في كلّ عام، بما فيه عام القمح، وكلها وقائع معاشة يومياً تؤكد أن سعر شراء القمح هذا الموسم مثل المواسم السابقة لم يكن مجزياً!.
الخلاصة: لا يمكن العودة إلى حقبة تخزين 5 ملايين طن قمح في مستودعاتنا وبالعراء من إنتاجنا المحلي إلا بتأمين مستلزمات إنتاجها بأسعار مدعومة ومجزية، أما الاعتماد على استيراد القمح أكثر فأكثر لسدّ احتياجاتنا فسيسفرُ آجلاً أم عاجلاً عن نتائج كارثية!!