نقاش حول “القوة الناعمة وعولمة وثقافة الصورة” في اتحاد كتاب طرطوس
طرطوس- محمد محمود
استضافَ اتحاد كتّاب طرطوس الكاتب والأديب د. عدنان بيلونة بمحاضرة فكرية حملت عنوان “القوة الناعمة ما بين العولمة وثقافة الصورة”، وذلك في صالة مبنى اتحاد الكتّاب، وركزت المحاضرة حول مفهوم القوة الذي ما زال يتطور ويتبدل من عهد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى في بحثها وسعيها للتوسع والتطور والسيطرة، فاليوم لم تعد القوة قوة الجيوش وحدها، وهناك العديد من أدوات التأثير والسيطرة في العالم الحديث.
بيلونة عرّف القوة بالقدرة على التأثير في الآخرين لتحقيق نتائج محدّدة مرجوة لمصلحة من يمارس القوة، أو حمل الآخرين على التصرف بطريقة ما تخدم مالك القوة وتزيد من مصالحه، وبالتالي فالقوة الناعمة اليوم والقوة الذكية التي أفرزها التطور العلمي والتقني الهائل تهدف للحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال، ويستهدف مفهوم القوة الناعمة غالباً صنّاع القرار وقادة الرأي والجهات الفاعلة والمؤثرة كمؤسّسات الدولة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، ويسخّر من يمتلك القوة في سبيل ذلك كل المؤثرات الممكنة وأهمها الإعلام والتسويق الإعلامي، فضلاً عن الفنون والرياضة والزيارات الرسمية والتجارة والمساعدات الإنسانية والمؤتمرات الأكاديمية، وكلّ هذا يخفض تكاليف الحروب التي تخوضها الدول بالاعتماد على القوة الصلبة، كما حدث في غزو أمريكا للعراق.
في حين أن مفهوم القوة الذكية يتمثل بالقدرة على الجمع بين القوتين الناعمة والصلبة وفق استراتيجية محدّدة مضمونة النجاح، فهي امتداد لهما، فمثلاً يروّج الاتحاد الأوربي لنفسه أنه يدعم حقوق الإنسان، وتروّج اليابان لنفسها أنها كوكب من عالم آخر.
وأضاف بيلونة أن الثقافة العربية اليوم في الواقع الحالي أمام مفارق خطيرة للانصياع إلى ما يهدّدها داخلياً وخارجياً كنتيجة طبيعية لثورة الاتصالات التي تستخدم القوة الناعمة من جهة، والتخلف والتردي لهذا الواقع من جهة أخرى، واستخدام هذه القوة من قبل الأعداء. مستطرداً: إن من أخطر الأسلحة التي تستخدمها القوة الناعمة في منطقتنا هي ثقافة الصورة والتسويق الإعلاني للقيم الفاسدة من أجل خرق القيم والخصوصية الثقافية العربية والإسلامية لشعوبها.
وتحدث الباحث عن محاور أخرى، مثل العوامل التاريخية التي أدّت لنشوء القوة الناعمة والموارد الأساسية التي تعتمد عليها مثل الثقافة التي تكون جاذبة للآخرين، ومثالها الأفلام السينمائية الأمريكية. كما ركز على مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، فهي مقدمة لمخاطر أعظم على الدولة الوطنية، لأن العولمة تعني المزيد من تبعية الأطراف وتكثيفها باتجاه المركز وتفتيت قوة الأطراف باستخدام القوة الناعمة التي تروّج لحقوق الإنسان وحقوق المرأة على سبيل المثال، وهي عبارات حقّ يُراد بها باطل.
وتحدث بيلونة عن منظمة التجارة العالمية كإحدى وسائل القوة الناعمة والتي تجعل كلّ شيء أسواقاً مفتوحة للدول الكبرى لتصريف الفائض الاقتصادي للدول الصناعية الغنية، ونشر قيم الاستهلاك والمتعة بالحياة والحرية الشخصية على حساب الحقوق والكرامة الوطنية والقيم الدينية والأخلاق، وهذا بدوره يؤدي لاتساع المسافة بين الأغنياء والفقراء وانتشار الجريمة المنظمة والتشبيح وانتشار الحماية الشخصية كبريستيج اجتماعي، ويصبح العنف وسيلة لاسترداد الحقوق بدل القوانين والنظام.
وختم الباحث بالحديث عن مجموعة اعتبارات يجب العمل عليها لمحاربة هذه الأدوات الجديدة في الحروب، وأهم ما أكد عليه هو تعزيز الثقافة والفكر الوطني، فالثقافة في رأي الباحث هي خط الدفاع الأخير والأهم لأي شعب مقاوم لأطماع الآخرين في بلده وأرضه، لأن سقوطها يعني سقوط القيم التي يتمسّك بها هذا الشعب وبالتالي هزيمته النفسية التي ستقوده لهزائم متتالية على الأرض ليصبح شيئاً فشيئاً خارج التاريخ وربما خارج الجغرافيا أيضاً.
في المقابل رأى الأديب منذر يحيى عيسى رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتّاب العرب أن القوة الناعمة التي صاغ مفهومها /جوزيف ناي/ تُستخدم مؤخراً للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبياً، مبيّناً أن /جوزيف ناي/ كان مساعداً لوزير الدفاع في حكومة /بيل كلنتون/ ورئيس مجلس المخابرات الوطني، وهو أستاذ العلاقات الدولية، حيث قسّم كتابه إلى خمسة فصول، حاول خلالها التفصيل في مفهوم القوة الناعمة التي تعمل جنباً إلى جنب مع القوة الصلبة “العسكرية” لتقوية مصالح أمريكا في العالم، حيث ترجم الكتاب الدكتور المرحوم “محمد توفيق البجيرمي”.
كما رأى عيسى أن ثقافة الصورة تكمن بسهولة فهم الموقف من خلال استخدام الموارد أو الوسائل المرئية (الصورة)، فلوصف رجل قد تحتاج إلى الكثير من الكلام، بينما عرض صورته يعوّض، وقد ظهرت عبارة (الصورة أبلغ من الكلام) و(الصورة سلاح ذو حدين) و(عصر الصورة) والصورة مركز وأساس مواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي، و(ثقافة الصورة). وخير مثال (رسم الكاريكاتير) الذي يعبّر ويختصر الكلام.
يُذكر أن المحاضر د. عدنان بيلونة كاتب وأديب، عضو اتحاد الكتّاب العرب ورئيس سابق لفرع اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية، وله مؤلفات فكرية وثقافية عدة أهمها دراسة في فكر الرئيس الراحل حافظ الأسد بعنوان “القائد الأسد والأمن القومي العربي”.