مجلة البعث الأسبوعية

“الكليبتوقراطية الأمريكية”…. عالم مواز لا معنى فيه للدستور

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

تستمر “الكليبتوقراطية”- حُكم اللصوص- في الولايات المتحدة الأمريكية بامتصاص الشعب الأمريكي الذي بات أشبه بحياة “الأرانب” في عالم موازٍ لا معنى فيه للدستور، بحيث تكون الحكومة مطلقة القوة، والمواطنون عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم ضد وكلاء الحكومة الذين يسرقون، ويقومون بأعمال المراقبة عليهم، والكذب، والنهب ، والقتل، والإساءة، وإلحاق الفوضى بالجميع، وفي كل شيء في مجالهم.

الحجج التي كانت تسوقها الادارات الأمريكية أن كل عمل، لو كان استبداداً، ترتكبه ضد المواطنين الأمريكيين هو للحفاظ على سلامتهم وأمن الولايات المتحدة. لكن من يدقق في خفايا تلك الحجج، يجد أنها نتيجة التهديدات التي صنعتها الحكومة بطريقة أو بأخرى، كالحرب السيبرانية، والإرهاب، والهجمات الكيميائية الحيوية، وسباق التسلح النووي، والمراقبة، وحروب المخدرات، والتطرف الداخلي، وليس آخرها جائحة كوفيد -19.

الجواب واحد

في كل حالة تقريباً قامت الحكومة الأمريكية، وغالباً بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي وبأسلوبها “الميكافيلي” بزرع بذور الإرهاب محلياً ودولياً من أجل توسيع سلطاتها الشمولية، لكن السؤال هنا من هو أكبر مشترٍ في السوق السوداء ومخّزن للأسلحة الإلكترونية، خاصةً البرمجيات الخبيثة التي يمكن استخدامها لاختراق أنظمة الكمبيوتر، والتجسس على المواطنين، وزعزعة استقرار شبكات الكمبيوتر الواسعة؟، الجواب حكومة الولايات المتحدة.

ومن هو أكبر منتج ومصدر للأسلحة في العالم، ومن يقوم بتسليح حرفياً العالم؟ الجواب حكومة الولايات المتحدة. ومن هي الدولة التي لديها تاريخ من التجارب السرية للأسلحة والتقنيات الخطرة على مواطنيها؟ الجواب حكومة الولايات المتحدة.

ومن هي الدولة التي أجرت تجارب سرية على السكان الآمنين، المواطنين وغير المواطنين على حد سواء، مما تسبب في إصابة الأشخاص الأصحاء برشهم بمواد كيميائية وحقنهم بأمراض معدية وتعريضهم للسموم المنقولة بالهواء؟ الجواب حكومة الولايات المتحدة.

ما هي الدولة التي لديها نمط ونصب المؤامرات التي تنطوي على استهداف الأفراد المعرضين للخطر، وتغذيتهم بالدعاية، والخبرة والأسلحة التي تهدف إلى تحويلهم إلى إرهابيين، ثم اعتقالهم كجزء من عمليات مخادعة مدبرة بإتقان لمكافحة الإرهاب؟ الجواب حكومة الولايات المتحدة.

إن حكومة الولايات المتحدة لا تحمي الأمريكيين من الإرهاب، بل هي من يخلق الرعب، بل إنها في الحقيقة مصدر الرعب. هذه الحكومة نفسها استخدمت واستغلت كل جزء من التكنولوجيا التي تم بيعها للأمريكيين على أنها في مصلحة المواطنين مثال أجهزة “جي بي إس” ، والأسلحة غير الفتاكة، وما إلى ذلك، واستخدمتها ضد المواطنين الأمريكيين  لتتبعهم ومراقبتهم ونصب المكائد لهم.

تقوم الحكومة الأمريكية بكل ذلك سعياً وراء المال والسلطة والسيطرة الكاملة، بمعنى أن هذه الحكومة ليست موجودة لخدمة شعبها وحماية حرياتهم وضمان سعادتهم. بدلاً من ذلك، هذه الحكومة تنصب المكائد الشيطانية لبرنامج أعمال هدفه الوحيد هو الحفاظ على القوى التي يتم توظيفها بشكل دائم ومربح.

مكتب التحقيقات الفدرالي

لقد أصبح أتباع الحكومة متخصصين في كيفية إفساد وإساءة استخدام السلطة بمجرد الحصول عليها، وإن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي هم من بين أكثر منتهكي القانون شهرة في البلاد. وسواء كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يزرع عملاء سريين في الكنائس والمعابد والمساجد، ويبث رسائل طوارئ مزيفة للوصول إلى سجلات هواتف الأمريكيين، باستخدام تكتيكات التخويف لإسكات الأمريكيين الذين ينتقدون الحكومة، أو إقناع الأفراد القابلين للتأثر بالتخطيط لأعمال إرهابية ثم إيقاعهم في الفخ، فإن الانطباع العام لقوة الشرطة السرية في البلاد هو “بلطجي يرتدي ملابس أنيقة”، ويستعرض عضلاته ويقوم بعمل رئيسه القذر.

إنها مؤامرة شيطانية لها عواقب بعيدة المدى على كل شريحة من السكان بغض النظر عن الميول السياسية للفرد. ووفقاً لما نشرته روزينا علي في مجلة “نيويورك تايمز”، فإن نهج الحكومة في مكافحة الإرهاب يقوض الحماية الدستورية للجميع، من خلال عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين القول والفعل وتوسيع نطاق الأشخاص المصنفين كتهديد. هذه ليست وكالة يبدو أنها تفهم حدود الدستور، ناهيك عن احترامه. فعلى سبيل المثال، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي ينفذ سراً مخططًا مستخدماً فيه بروتوكول مشفر داخل هواتف “غوغل بيكسل 4إيه” من شركة غوغل يسمى “إيه إن أو إم” والذي اعترض ملايين الرسائل المرسلة عبر الهواتف حيث من المفترض أن البروتوكول آمن، ويتم استخدامه على نطاق واسع من قبل المواطنين، ولكن بدلاً من توفير اتصال آمن، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي هو الذي يقوم بتوزيعه سراً ليزيد استخدامه وبالتالي مراقبة أكبر قدر ممكن من المواطنين.

إجمالاً، اعترض مكتب التحقيقات الفيدرالي 27 مليون رسالة على مدار 18 شهراً، وهذا يعني أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان أيضاً يتجسس بشكل غير قانوني على الأفراد الذين يستخدمون تلك الهواتف المشفرة والذين ربما لم يكونوا متورطين في أي نشاط إجرامي على الإطلاق. كما أن قراءة مقال في إحدى الصحف أصبح الآن كافياً لإبلاغك بمراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي. قدمت الوكالة مذكرة استدعاء لصحيفة “يو إس توداي “لتقديم عناوين مواقع الإنترنت ومعلومات الهاتف المحمول لكل من يقرأ قصة إخبارية عبر الإنترنت في يوم ووقت معينين حول عمليات إطلاق النار المميتة على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.

هذا هو الخطر المتمثل في السماح للحكومة بتنفيذ عمليات مراقبة واسعة النطاق، وعمليات خادعة وعمليات الإيقاع باستخدام تكتيكات مريبة تتجنب سيادة القانون، لذلك أصبح المواطنون الأمريكيون مشتبه بهم ومجرمين محتملين، بينما عملاء الحكومة المخولون بمحاربة الجريمة بكل الوسائل المتاحة تحت تصرفهم لا يمكن تمييزهم عن القوى الفاسدة التي يسعون إلى هزيمتها. ولملاحقة الإرهابيين، يصبحون إرهابيين، ولملاحقة مهربي المخدرات، يصبحون مهربي مخدرات، ولملاحقة اللصوص يصبحون لصوص.

وأمام ذلك، من الصعب التكهن ما إذا كانت أمريكا حكومة “كليبتوقراطية”- حكومة يحكمها لصوص- أو حكومة “كاكستقراطية”- حكومة يديرها سياسيون مهنيون غير مبدئيون، وشركات ولصوص الذين يقومون بارتكاب أسوأ الرذائل وليس لديهم أي اعتبار لحقوق المواطنين الأمريكيين- لكن ما يمكن التأكد منه أن الولايات المتجدة بالتأكيد ليست جمهورية دستورية، بل هي حكومة تدير نقابة إجرامية خاصة بها مع حكم الغوغاء وعدالة على غرار المافيا.

الإذن بخرق القانون

على سبيل المثال، إن إنشاء جرائم معينة من أجل “حلها” بعد ذلك، يمنح مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً – وكالة إنفاذ القانون الحكومية – بعض المخبرين الإذن بخرق القانون بما في ذلك كل شيء من شراء وبيع المخدرات غير المشروعة إلى رشوة المسؤولين الحكوميين والتخطيط لعمليات السطو مقابل تعاونهم على الجبهات الأخرى.

قدرت صحيفة “يواس توداي” أن وكلاء الحكومة سمحوا للمجرمين بالتورط إلى ما يصل  15 جريمة في اليوم (5600 جريمة في السنة)، وبعض هؤلاء المخبرين يحصلون على مبالغ خيالية، حيث حصل أحد هؤلاء العملاء على وجه الخصوص، الذي تم القبض عليه فيما بعد لمحاولته دهس ضابط شرطة، على 85000 دولار مقابل مساعدته في نصب الفخ. بالإضافة إلى سوء السلوك الإجرائي، والتعدي على ممتلكات الغير، وتمكين النشاط الإجرامي وإلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة، تشمل قائمة جرائم مكتب التحقيقات الفيدرالي ضد الشعب الأمريكي: المراقبة والتضليل والابتزاز والمكيدة وتكتيكات التخويف والمضايقات.

على سبيل المثال، قدمت وكالة “أسوشيتد برس” شكوى إلى وزارة العدل بعد أن علمت أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي اختلقوا قصة إخبارية مزيفة لوكالة “أسوشيتد برس” وأرسلوها عبر البريد الإلكتروني، إلى جانب الرابط المتعلق بالمسألة، إلى شخص يشتبه في تهديده بالقنابل من أجل زرع تقنية التتبع على جهاز الكمبيوتر الخاص به، وتحديد موقعه. انتقدت محامية وكالة “أسوشييتد برس” كارين كايزر الوكالة قائلة: “ربما كان قصد مكتب التحقيقات الفيدرالي من هذه القصة الكاذبة اعتبارها فخاً لشخص واحد فقط. ومع ذلك، كان بإمكان الفرد بسهولة إعادة نشر هذه القصة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوزيعها على آلاف الأشخاص، تحت مسمى  ما كان في الأساس عبارة عن معلومات حكومية مضللة “.

ثم مرة أخرى، بالنسبة لأولئك الذين على دراية ببرنامج “كوينتلبر”، وهو برنامج لمكتب التحقيقات الفيدرالي تم إنشاؤه لتعطيل وتضليل وتشويه سمعة وتحييد الجماعات والأفراد الذين تعتبرهم الحكومة معارضين سياسياً، فلا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الوكالة قد أتقنت فن المعلومات المضللة الحكومية. تم انتقاد مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل خاص في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية لاستهدافه الأفراد المعرضين للخطر وليس فقط إغرائهم بمؤامرات إرهابية مزيفة، ولكن في الواقع قاموا بتزويدهم بالأموال والأسلحة والدوافع لتنفيذ المؤامرات والمكائد ومن ثم سجنهم بما يسمى بالتآمر الإرهابي. هذا ما يصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه “محاكمات وقائية”.

كما أن هناك  خطابات الأمن القومي التي هي واحدة من العديد من الصلاحيات غير المشروعة التي أجازها قانون” باتريوت” الأمريكي، والتي تسمح لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأن يطلب سراً من البنوك وشركات الهاتف والشركات الأخرى تزويدهم بمعلومات العملاء دون الإفصاح عن المطالب. لقد وجدت مراجعات داخلية أن ممارسة مكتب التحقيقات الفيدرالي بإصدار عشرات الآلاف من خطابات الأمن القومي كل عام للحصول على معلومات حساسة مثل تسجيلات الهاتف والسجلات المالية، غالباً في حالات غير طارئة ، مليئة بالانتهاكات واسعة النطاق.

تتفاخر قدرات المراقبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي، بمجموعة سيئة من أدوات التجسس التي  تتراوح من أجهزة “ستينغراي” التي يمكنها تتبع مواقع الهواتف المحمولة إلى أجهزة “تريغرفيش” التي تسمح للوكلاء بالتنصت على المكالمات الهاتفية.

تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي بالفعل في إحدى الحالات، من إعادة برمجة بطاقة الإنترنت اللاسلكية “المشتبه بها” عن بُعد بحيث ترسل بيانات الموقع الخليوي في الوقت الفعلي إلى شركة “فيرايزن”، التي أعادت توجيه البيانات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

في الواقع، على مدار سنوات حتى الآن، كانت الولايات المتحدة تنشئ ما أشار إليه أحد الذين على دراية بالاستخبارات على أنه جيش إلكتروني قادر على شن هجمات. وكجزء من برامج الأسلحة الإلكترونية هذه، قامت الوكالات الحكومية مثل وكالة الأمن القومي بتخزين جميع أنواع البرامج الضارة والفيروسات وأدوات القرصنة السيئة التي يمكنها سرقة كلمات مرور الحسابات المالية.

كانت وكالة الأمن القومي مسؤولة عن التهديد الذي تشكله فيروسات البرمجيات الخبيثة والذي كان نتيجة وصول المتسللين إلى ترسانة الحكومة، وقاموا باختطاف أكثر من 57000 جهاز كمبيوتر وشل الرعاية الصحية والبنية التحتية للاتصالات والخدمات اللوجستية ، والجهات الحكومية في أكثر من 70 دولة.

تجدر الإشارة أنه تم تحذير الحكومة الأمريكية مراراً وتكراراً من مخاطر استخدام التكتيكات الإجرامية لشن الحروب الإلكترونية الخاصة بها، كما تم تحذيرها من عواقب رد الفعل في حالة وقوع أسلحتها الإلكترونية في الأيدي الخطأ، لكن الحكومة اختارت تجاهل التحذيرات.

لقد ساعدت الحكومة في خلق الخطر الذي كان يمثله “تنظيم القاعدة”، وبعد ذلك، طالبت – وأُعطيت – قوى جديدة هائلة في شكل قانون “باتريوت” الأمريكي من أجل محاربة الخطر ذاته الذي أوجدته. لقد أصبح هذا أسلوب عمل حكومة الظل بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، فالحكومة تخلق تهديداً، وهي تعلم جيداً التداعيات التي قد يشكلها مثل هذا الخطر على الجمهور، دون أن تتحمل أبداً الدور الذي لعبته في إطلاق العنان لذلك التهديد على المواطنين، ومن ثم تطالب بصلاحيات إضافية من أجل حماية ” الشعب” من التهديد وفق زعمها.

إن تلك القوى لا تريد أن يشعر الناس بالأمان، إنهم يريدون أن يتخلى المواطنون عن حرياتهم مقابل وعودهم الوهمية بالأمن. ونتيجة لذلك، فإن الشعب الأمريكي هو الذي يدفع ثمن جشع الحكومة النهم وسعيها للسلطة.

يكفي القول أنه عندما يتم كتابة تاريخ حقيقي للولايات المتحدة، فلن يقتصر الأمر على تتبع صعود الدولة البوليسية الأمريكية فحسب، بل سيرسم أيضاً تراجع الحرية في أمريكا، كيف أمة التزمت ذات يوم بالقانون حولت سيادة القانون ومساءلة الحكومة عن أفعالها بشكل مطرد إلى دولة بوليسية حيث العدالة أحادية الجانب، والحكومة التمثيلية استهزاء، والشرطة امتداد للجيش، والمراقبة متفشية، وانقرضت الخصوصية، والقانون ليس أكثر من مجرد أداة للحكومة لإجبار الناس على الإذعان والرضوخ.

على مدار الـ 240 عاماً الماضية، أفسحت الديمقراطية الطريق للحكم الكليبتوقراطي، ورُفضت الحكومة التمثيلية لصالح الحكم من قبل السياسيين والشركات واللصوص التي هي أفراد وكيانات مع القليل من الاهتمام بحقوق المواطنين الأمريكيين. لم يحدث حل هذا العهد المقدس بين المواطنين والحكومة بين عشية وضحاها، كما أنه لم يحدث ذلك بسبب حادثة معينة أو بسبب رئيس معين، إنها عملية بدأت منذ فترة طويلة وتستمر حتى يومنا هذا، بمساعدة وتحريض من السياسيين الذين أتقنوا فن الاستقطاب لكيفية “فرق تسد”.