مجلة البعث الأسبوعية

الأسعار متفاوتة بين منطقة وأخرى ..والفقراء والأكابرية في فخ التسعير الكيفي ؟

دمشق – البعث الأسبوعية

هو الحاضر الدائم في أغلب أحاديثنا, شاغل البال ومتعب الحال, لا يجتمع اثنان إلا ويكون موضوع الأسعار وارتفاعها أو انخفاضها محور حديثهم, فالخضار والفاكهة وأغلب المواد الغذائية تتباين  أسعارها تبعاً للمكان الذي تباع فيه فالبندورة تلك المادة التي لا يخلو منزل من تواجدها في كل منطقة لها سعر معين فحي الشعلان له أسعاره الخاصة التي تختلف عن باقي الأحياء تحت ستار الاكابرية من جهة الناحية الاجتماعية والتصنيفات المخملية  وارتفاع قيمة الضرائب من جهة أصحاب المحلات الذين يعملون على دفع كل مايتوجب عليهم من جيوب الناس , أما تلك الأحياء بحواريها  الضيقة وبيوتها المتواضعة قد تقل الأسعار فيها ربما تعاطفاً مع قاطنيها أو تحقيقاً لسياسة تسويقية مجدية لتصريف البضائع ولكن ذلك لايلغي حقيقة تمردها في الكثير من الأحيان وجنوحها نحو الارتفاع غير المقبول الذي يكسر قواعد لعبة المنافسة السعرية بين المناطق ويخلط أوراقها في رهانات رابحة للتجار ومخسرة للمواطن بكل تأكيد  ..فهل يمكن تبرير هذا التباين في الأسعار بين منطقة وأخرى؟

آلية العمل

 

ليس من حق أحد أن يتلاعب في لقمة المواطن لاسيما في ظل الظروف التي نمر بها, وواجب الجهات المختصة أن تكافح المتلاعبين وتحاسبهم, وفي تصريحات سابقة لمديري  حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية شرحوا فيها  الآلية التي يتم تحديد الأسعار بناء عليها حيث اشاروا إلى  هناك نوعين للتسعير الذي تمارسه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التسعير المكاني  الذي تسعره مديريات التجارة الداخلية والتسعير المركزي الذي تسعره وزارة التجارة وهذا الأخير يخص أربع مواد وهي السكر, السمنة, الزيت والأرز في كافة المحافظات.

وأضافوا عند جلب المادة من قبل المستورد يتم دراستها مركزيا وتضاف إليها حسب مكان الاستيراد أجور النقل لباقي المحافظات, فالسعر يكون في النهاية موحداً لكافة المحافظات, أما التسعير المكاني فتقوم به مديرية التجارة الداخلية في كل محافظة فالتاجر سواء كان من دمشق أو حلب أو اللاذقية وغيرها يقدم بيانات الكلفة للاستيراد أو المنتج محلياً لمديرية التجارة في محافظته مرفقة بالوثائق والثبوتيات الخاصة بالبضاعة, ويصدر عنا صك سعري وهو عبارة عن التسعيرة المكانية ليضاف عليها لاحقا أجور النقل لبقية المحافظات, أي أن أجور النقل تضاف فقط إذا خرجت المادة لمحافظة أخرى, وحتى أجور النقل هي موحدة بين كافة المحافظات وتسعيرتها تزداد تبعا للتكاليف الفعلية التي يتكلفها الناقل للبضائع.

 

حماية المستهلك

 

وحول التباين في الأسعار بينوا  تباين الأسعار بين منطقة وأخرى هو أمر مرفوض فمدينة دمشق مثلاً يصدر عنها عدة أسعار لعدة نشرات التي هي الخضار والفاكهة والبيض فهذا التسعير المكاني تصدره المديرية تبعاً للدراسات التي تقوم بها بمشاركة الجهات المعنية حسب نوع المادة ففي حالة الخضار والفواكه تتم المشاركة مع وزارة الزراعة والخزن والتسويق, فالتسعيرة تكون عامة في كافة المحافظات ولا فرق بين شارع وآخر أو منطقة وأخرى، وهذه النشرات وغيرها في ما يتعلق بكافة المواد الغذائية من فول وحمص وغيرها من المفروض أن يتم الالتزام بها في كل محافظة, وهذه النشرات لا تصدر إلا بموجب الكلفة وهذه الكلفة تصبح ملزمة للتطبيق.

وهنا يأتي دور حماية المستهلك عن طريق نشر مراقبين دائمين في الأسواق للتأكد من تقيد البائعين بالنشرات الأساسية, ولاحظنا تزايد عدد الضبوط بحق المخالفين للضعف تقريبا .

 

بين منطقة وأخرى

 

هموم اعتاد عليها وتأقلم مع وجودها المواطن الذي بات الحلقة الأضعف في لعبة الأسواق  , فما عادت الصدمات تؤثر به فإن قلت له ارتفعت الأسعار ما عاد يستغرب الأمر, ومن الملاحظ أن ملاحقة الأسعار ومعرفة تفاصيلها أمر يهم السيدات أكثر فهن على احتكاك مباشر مع أسعار الخضار والفاكهة, فأم رياض تخرج كل صباح من منزلها في حي الدويلعة متجهة إلى سوق الخضار ومهيئة نفسها لكل الاحتمالات فطبختها اليومية تحددها تلك اللافتات الصغيرة التي تعلن الأسعار, وحسب قولها: هناك بعض الأنواع من الخضار يمكن الاستغناء عن وجودها في المنزل ولكن أنواع أخرى محال أن نستغني عنها يومياً, فالبندورة عندي أهم من الموز, أما اختلاف الأسعار من مكان لآخر فهو أمر يقلق راحة المواطن دائما, ولذلك ترى الأسواق في الأحياء الشعبية مكتظة بكافة شرائح المجتمع فحتى الميسورون يقصدونها لأن الأسعار فيها تكون عادة أقل من غيرها.

وحتى لو كانت أجارات المحال التجارية في بعض المناطق مرتفعة عن غيرها فهذه المبررات غير مقنعة ولا تسمح لصاحبها أن يضع الأسعار كما يحلو له متناسيا النشرات المحددة التي تلزمه مديريات التجارة بها.

 

بعض الضمائر الحية

 

دائما نلتقي بأشخاص يزرعون في حياتنا  الأمل ويحاولون دائما إقناعنا بأن الأمور لازالت على ما يرام, فأبو هاشم بائع ملتزم بالتسعيرة الأساسية دون زيادة أو نقصان, وقد تكون عربته التي يجرها يوميا متنقلاً بها من مكان لآخر أفضل من مئات المحلات التجارية التي تضع الأسعار كما يحلو لها.

أبو هاشم وعربته صديقان لا يفترقان فهي مصدر رزقه الوحيد لا يحملها الخضار والفاكهة فقط بل يزيدها بهمومه وقصصه كل صباح فهي المنصت الصامت له, يمشي بها متجولا بين أحياء دمشق دون أن تفرق معه إن كان في القصور أو في الدويلعة فعنده كلاهما سواء, وقد يتقصد أحيانا أن يمر في المناطق التي تشهد ارتفاعا غير مبرر للأسعار من قبل الباعة بحجة أن طبيعة المنطقة تفرض ذلك, ولعله يقارن أحيانا بين ما تحمله عربته المتواضعة من خضار قلّ ترتيبها, وتلك المتربعة في أماكن مخصصة ومصنفة بشكل لائق, لتراوده عشرات الأفكار فكلاهما من النوع نفسه وكلاهما صالحتان للأكل, ولكنها النفس البشرية تلك التي تختلف وتقرر التزامنا أو عدمه في كل نواحي الحياة.

ففي حي أبو رمانة تشعر وكأنك بكوكب آخر كل الأشياء لها أسعار تختلف عن بعض المناطق وحتى الملابس تطبع بنفس الطابع ولو فكرت أن تسأل عن السبب لكانت الإجابة ببساطة هذه منطقة أبو رمانة.

 

مناطق مرغوبة أكثر

 

ومن اسم المنطقة تستطيع أن تحدد طبيعة الأسعار بين ارتفاع وانخفاض, ونهلة الطالبة في كلية التربية لا تقصد إلا أماكن محددة للتسوق فيها وشراء ملابسها وحاجياتها, تبتعد قدر المستطاع عن الأماكن الغالية في أسعارها مركزة كل توجهاتها نحو المناطق التي ترأف بحال المواطنين, محددة أغلب جولات تسوقها في أوقات التنزيلات حيث تباع القطع بنصف حقها أو أكثر قليلا, وتمتلئ الشوارع بالعروض والحسومات التي يتنافس الباعة على زيادتها.

فتمشي في الشوارع مكتفيا بالنظر إلى الواجهات التي تغصّ بأوراق كتبت عليها الأسعار, وتبدأ مرحلة إطلاق الأحكام بين غالي ومقبول إلى حد ما, وربما تعود إلى منزلك وأنت فارغ اليدين بعد هذه الرحلة في الأسواق ولكنك على الأقل أخذت فكرة عن طبيعة الأسعار في كل منطقة.

موضوع الأسعار بكافة جوانبه متعب للمواطنين ومرهق لأفكارهم, ومن حقهم أن يعرفوا الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت, ومطالبة المختصين ملاحقة المخالفين أينما كانوا والترصد لهم يوميا.