ما ينتظر أوروبا.. شتاء قاس أم ثورات خبز؟
ريا خوري
كانت التوجهات الأوروبية، قبل بدء الأزمة الروسية _ الأوكرانية، تسير نحو الخروج من عباءة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، ودعوة عدد من الدول الأوروبية لتشكيل جيش أوروبي بدلاً من الارتماء في حضن الولايات المتحدة التي تذكر القادة الأوروبيين أنها تحميهم وتدافع عنهم.
لذلك لم يكن العديد من الدول الأوروبية بحاجة إلى كل هذا التماهي مع السياسات الأمريكية بشأن الحرب الروسية _ الأوكرانية، لأن هذا التماهي انقلب عليها داخلياً، حيث بدأت الاحتجاجات الشعبية والنقابية في معظم دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يؤكد إمكانية حدوث زلزال عنيف قد يعصف بها، نظراً للكلفة العالية جداً لوقوفها إلى جانب أوكرانيا، ومشاركتها الولايات المتحدة الأمريكية في عقوبات مالية واقتصادية على روسيا الاتحادية، والتي بدأت تداعياتها واستطالاتها السلبية تنعكس على حياة ملايين الأوروبيين الذين بدأؤوا يعبرون عن سخطهم من تلك السياسات لأنهم يدفعون ثمن هذا النهج.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تعتقد أن العقوبات المالية والاقتصادية القاسية على روسيا ستُضعف قدراتها العسكرية، وبالتالي ستجبرها على وقف الحرب دون تحقيق أي نصر، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، فروسيا الاتحادية صمدت واقتصادها صار أقوى بكثير مما كان عليه، في حين كانت تداعيات العقوبات ثقيلة وقاسية جداً على أوروبا التي بدأت تئن تحت وطأة الأزمات المعيشية المتلاحقة، وحالة تضخم غير مسبوقة، وارتفاع في الأسعار بشكلٍ جنوني.
الجدير بالذكر أن الشعوب الأوروبية، التي بدأت تشكو من نتائج تورط أوروبا في الحرب الروسية _ الأوكرانية، لم تعد قادرة على تحمل أعباء سياسات حكوماتها وإداراتها إلى درجة أن الاحتجاجات بدأت تنتقل إلى الشارع، وتتوسع في حالة انفجار شعبي غير مسبوق، كما حدث في ألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلغاريا، وإسبانيا، حيث نُظمت العديد من التظاهرات، وقُطعت طرق بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وفقدان العديد من السلع من الأسواق.
ومؤخراً، لم يستطع العالم تجاهل ما جرى ويجري من احتجاجات وتظاهرات ضخمة في العاصمة التشيكية براغ والتي شارك فيها أكثر من ثمانين ألف شخص، وهي الأضخم منذ عام ١٩٨٩ احتجاجاً على سياسة الحكومة وارتفاع أسعار الوقود.
هذه المظاهرة الضخمة هي مجرد نموذج لما يمكن أن يحصل في العديد من المدن الأوروبية، بخاصة مع اقتراب فصل الشتاء، والذي سيكون قاسياً على الأوروبيين، مع تغير المناخ وانقطاع النفط والغاز المستوردين بشكل أساسي من روسيا، وهذا ما ينذر بحصول تحركات شعبية ونقابية واسعة النطاق، ووقوع أعمال عنف قد تتحول إلى ثورات عارمة.
هذا السيناريو توقعته سفينيا شولتسه، وزيرة التنمية في جمهورية ألمانيا الاتحادية، التي حذرت من خطر مجاعات وحدوث جائحات جراء ارتفاع أسعار الوقود، والمواد الغذائية الضرورية والأساسية للمواطنين. وحذّرت في معظم وسائل الإعلام الألماني من اندلاع انتفاضات وثورات خبز، ومعها موجة جديدة من عدم الاستقرار وفقدان الأمن، مؤكدةً أنّ كل الأسعار تقفز بسرعة، واقتصاد أوروبا يخرج عن السيطرة، ويفقد ميزاته وقوته التي يتغنى بها، في حين أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن دوريات عسكرية مؤللة ستجوب الشوارع الألمانية بدءاً من مطلع شهر تشرين الأول المقبل، تحسباً لاندلاع احتجاجات وأعمال عنف وشغب .
كل المؤشرات تؤكد على حالة الفوضى وعدم الاستقرار في أوروبا في الفترة المقبلة، حيث تنتظر شتاء قاسياً غير مسبوق لم تألفه من قبل، لكنه سيكون ساخناً بالمظاهرات والاحتجاجات والنزاعات، وربما بفوضى عارمة وأعمال عنف غير مسبوقة، ستنعكس بشكلٍ أو بآخر على شكل أزمات سياسية قد تطال معظم الحكومات الأوروبية وإداراتها ومؤسساتها، كما جرى في إيطاليا، حيث أدت الأزمة إلى استقالة ماريو دراجي رئيس الوزراء الإيطالي .
هل تعيد أوروبا النظر في حساباتها وسياساتها ومواقفها قبل قدوم فصل الشتاء الذي سيكون عاصفاً، على الصعيد السياسي والمناخي؟