البريطانيون يضعون أيديهم على قلوبهم
ريا خوري
يسيرُ المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري البريطاني بشكلٍ متسارع، حاملاً بين طياته مكوّناً خاصاً من الوعي السياسي الذي ينظم العلاقة بين تسلسل الانتظام الديمقراطي بزعامة الدولة، والنشاط التهميشي والإلغائي للعديد من الأشخاص الذين لهم دور في بناء واستمرارية السياسة البريطانية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي.
مرّت بريطانيا منذ العام الماضي بفترة من الركود الاقتصادي، بسبب ارتباطها باقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية الذي بدأ مسار التراجع، ومن ثم اتخذت بريطانيا قرارها بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي وجدت فيه عبئاً على اقتصادها ومستقبلها، بسبب انتقال عدد كبير من المهاجرين القادمين من دول أوروبا الشرقية إليها. وقد حدث الفراق بين الطرفين، وكان لذلك نتائج سيئة وقاسية عليها، لأنها خسرت مجالاً اقتصادياً واسعاً يشمل كلّ دول منطقة اليورو في القارة الأوروبية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن والجمارك. وجاءت جائحة كوفيد ١٩ لتزيد من حجم التراجع الاقتصادي بشكلٍ حاد، بسبب استمرار الإغلاق لمدة طويلة، كما أن دخول بريطانيا في محور مواجهة روسيا الاتحادية بعد عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، قد أدى إلى زيادة التضخم في الاقتصاد البريطاني، وقد وجد رئيس الحكومة البريطانية السابق بوريس جونسون نفسه وسط أزمة اقتصادية حادة، وفي النهاية، قدّم استقالته لتحلّ محله ليز تراس التي كانت تشغل منصب وزير الخارجية منذ عام ٢٠٢١.
في خطاب فوزها بهذا المنصب، تعهّدت تراس بتقديم خطة مدروسة وجريئة تهدف إلى خفض الضرائب وتنمية الاقتصاد البريطاني، لكن يبدو أن تحقيق هذا الهدف بعيد المنال لأن شبح الركود يهدّد بريطانيا، والبنك المركزي يحذّر من الأسوأ خلال الأشهر القادمة.
اليوم، يضع البريطانيون أيديهم على قلوبهم وهم يشاهدون النشرات الحمراء والتقارير التي يصدرها البنك المركزي بشكل شبه يومي، محذراً من إمكانية وصول مستوى التضخم النقدي إلى خمسة عشر بالمائة، ودخول البلاد في حالة ركود متزايد، بالتوازي مع ارتفاع غير مسبوق في تاريخ بريطانيا بأسعار الطاقة. فقد قدّم البنك المركزي أرقاماً صادمة عن مستوى التضخم العام في البلاد، حيث توقع أن تصل إلى نسبة ١٣،٣% بحلول شهر تشرين الأول المقبل، وخمسة عشر بالمائة بداية العام المقبل، وأن تستمر على هذا النحو المرتفع طيلة عام ٢٠٢٣، قبل أن تتراجع إلى نسبة اثنين بالمائة بحلول عام ٢٠٢٥.
يبرّرُ البنك المركزي البريطاني قراره رفع معدل الفائدة بالرغبة في التحكم بمعدل التضخم النقدي، ويلقي باللائمة على الحرب الروسية في أوكرانيا، التي أدّت إلى ارتفاع لم تشهده بريطانيا منذ أربعين عاماً، كما أدّت إلى انخفاض مستوى المعيشة بنسبة خمسة بالمائة وهو أعلى معدل منذ حوالي سبعين عاماً.