فرنسا تستخدم الحرمان من الغذاء كسلاح ضد أفريقيا
هيفاء علي
تندرج جولة ماكرون الأفريقية الأخيرة في سياق استمرارية السياسة الخارجية المتمحورة حول مصالح فرنسا، وهذه السياسة مستمرة في أفريقيا منذ عام 1990 حتى هذا اليوم. وعلى الرغم من محاولة وسائل الاعلام الفرنسية إظهار نجاح تلك الجولة، والتحدث عن الترحيب الحار بالضيف الفرنسي، على حد تعبيرها، إلا أن شعوب الدول التي قصدها في جولته أعربوا عن امتعاضهم واستهجانهم من هذه القوة الاستعمارية السابقة في القارة السمراء، فهم لم ينسوا بعد حصار القوافل العسكرية للمناطق المأهولة بالسكان المدنيين في إطار عملية “برخان” في بوركينا فاسو، والنيجر في تشرين الثاني 2021 والتي خلفت العديد من الجرحى والقتلى بالرصاص الفرنسي، أو المظاهرات المناهضة للإمبريالية الفرنسية في مالي والسنغال وتشاد وجنوب إفريقيا، فكيف تتحدث عن هذا الترحيب؟
وكان صحفيون من وسائل الإعلام في الكاميرون قد أشاروا إلى أن سلطات الكاميرون قامت بهدم العشرات من المحال التجارية في الشوارع على طول الطريق قبل وصول الوفد الفرنسي، أي قامت بتدمير سنوات من العمل الجاد والاستثمارات، ووضعت عشرات الأسر في مصاعب مالية على المدى الطويل. والأسوأ من ذلك، تمكن الصحفيون عينهم من الوصول إلى وثيقة موقعة من أمين الصندوق العام للتجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني، الحزب الرئاسي، تفيد أن 10.5 مليون فرنك أفريقي، أي ما يعادل (16020.77 يورو) تم دفعها لنشطاء الحزب للترحيب بالرئيس الفرنسي خلال زيارته.
تولى “بول بيا”، رئيس الكاميرون الحالي، السلطة منذ عام 1982، واتسمت رئاسته بتضاعف الممارسات الاستبدادية. على سبيل المثال، نظم حزب المعارضة “حركة نهضة الكاميرون” مظاهرة وطنية في 22 أيلول 2020 للمطالبة بالحوار الوطني، وإصلاح النظام الانتخابي، وعودة السلام إلى المناطق الناطقة باللغة الإنكليزية في البلاد، لكن السلطات حظرت التظاهر في عدة مناطق، واعتقلت أكثر من 500 شخص بشكل تعسفي. وفي تشرين الأول 2021، واجه 200 منهم محاكمة عسكرية بتهمة الإرهاب وتقويض الأمن القومي، وفي عام 2017، لجأت الحكومة أيضاً إلى قطع الإنترنت المتعمد لمنع السكان من التعبئة.
وكان فرانسوا ميتران (1981-1995) أول رئيس فرنسي “يشترط” المساعدة الإنمائية الرسمية الفرنسية بالجهود المبذولة نحو ممارسات ديمقراطية أفضل للدولة “الشريكة” خلال خطابه في لابول في عام 1990، ولكن أظهرت الأدبيات كيف ركزت السياسة الخارجية الفرنسية منذ الحقبة الاستعمارية إلى الوقت الراهن، ولا سيما فيما يتعلق بالتنمية والمساعدات الديمقراطية، على الدول الغنية بالموارد الطبيعية والدول الأعضاء في منطقتي الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
من جهة أخرى حاول ماكرون أثناء تلك الجولة الضغط على الدول الأفريقية لانتزاع موقف ضد روسيا منها. وفي هذا السياق، وأثناء التصويت على القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يهدف إلى إدانة العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في 24 شباط2022 فإن 44٪ من الدول الـ 52 التي رفضت التعليق أو التي أيدت روسيا صراحة أثناء التصويت على قرار الأمم المتحدة كانت أفريقية، أي ما يقرب من نصف القارة.
ويمكن ملاحظة أن جميع الدول التي زارها سيرغي لافروف في نهاية تموز 2022 هي جزء من الدول الممتنعة أو تلك التي صوتت ضد القرار. وبالمثل، من بين أولئك الذين زارتهم فرنسا، صوتت بنين فقط لصالح إدانة روسيا، وكان الاثنان الآخران من بين الغائبين. وفيما يتعلق بالتصويت الثاني، الذي يهدف إلى تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، لم تصوت أي من الدول التي تمت زيارتها لصالحه. وهكذا، في سياق دولي اتسم بالحرب في أوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وارتفاع أسعار الوقود والغذاء، والجهود الغربية الرامية لعزل روسيا، يبدو واضحاً أن الرهانات تركزت على الغذاء من جهة، وحول الدعم السياسي الأفريقي لروسيا من ناحية أخرى.
لذلك، يرى مراقبون إن آثار الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي في أفريقيا هي ذريعة لتسهيل انتزاع الشركات متعددة الجنسيات الفرنسية والأمريكية من الأراضي الصالحة للزراعة والمزروعة وغير المزروعة في أفريقيا، من أجل تحقيق المزيد من الأرباح. وعليه سيكون هذا الاستيلاء على الأراضي الصالحة للزراعة على حساب الأمن الغذائي والسيادة، كما سيولد تبعية دائمة للغذاء لدول جنوب الصحراء المستهدفة، وسيكون هذا الاعتماد بمثابة رافعة للولايات المتحدة وفرنسا لفرض هيمنتهما بشكل أكبر على الدول الأفريقية في القضايا الدولية، وخاصة فيما يتعلق بأوكرانيا.