كلمة البعث

أوراق دمشــــــق

د. عبد اللطيف عمران

في سورية يلتقي التاريخ العريق بإرادة شعب حرّ أبي، تميّز بالوعي والحيوية، وإحساس نابض بالعروبة والوطنية. وقد تجلّت هذه المظاهر أنشودة عزّ وجمال وحب يتردّد صداها بين الأجيال، فكان الانتصار في اختبارات الوحدة الوطنية، والمنعة والصمود أغاني وسيراً شعبية في بلاد كانت ولاتزال ملتقى الروافد الحضارية بما فيها من انفتاح وتسامح وجماليات.
وفي أمجاد نيسان يتجدّد حضور إرادة الشعب ووعيه ومصالحه، وتغلّبه على المحن والتحديات، ونزوعه المستمر نحو الإصلاح والتجدّد والتطلع الى الأفضل. فوعي المجتمع السوري، وحرصه على الاستقرار والتطوير حاضر دائماً، وقد تميّز هذا بوضوح في التاريخ المعاصر، في الثورات الوطنية لنيل الاستقلال، وفي التضحيات المتتالية لنصرة القضية الفلسطينية، وحركة التحرر العربية، وفي محطات هامة معروفة في 58-63-66-1970

مع مطلع القرن الجديد ثبتت سورية في معترك الأحداث العاصفة إقليمياً ودولياً، وكان قرارها صائباً، نسجه تماسك شعبي ورسمي، وتبيّنت مع مرور الأيام مصادر قوته المحلية والعربية والدولية، فتمكّنت البلاد من تطويق مشاريع مصادرة قرارها الوطني المستقل والمبني على مصالح الشعب والأمة.
وفي هذا السياق ستبقى دمشق تملك أوراقاً عديدة قوية تنطلق من وعي المجتمع السوري، الذي يعمل دائماً على مَنعة بلاده وممانعتها، وعلى وحدتها وقوتها وتقدمها، وتعزيز دورها الوطني والعروبي الأصيل، لذلك حقق تلاحم الشعب والقيادة إنجازات في العقد الماضي حاضرة في مختلف اتجاهات الحياة على الرغم من تعرّض مشروع الإصلاح والتطوير والتحديث الى إرباك متعدد المصادر، فقد أتى هذا المشروع في خضم أحداث كبرى بدأت من 2001، واستمر محاطاً «بتركة ثقيلة» من المعضلات الخارجية والداخلية الشائكة في المنطقة التي أحاطت به
وفي الوقت الذي اتخذت فيه القيادة السياسية عدداً من القرارات غير الطارئة، ووضعت جدولاً زمنياً قصيراً لتنفيذها، فإن هذه القرارات ستعالج قضايا ورثها المجتمع والسلطة منذ عقود، وتضافرت أحداث جسام حالت دون تنفيذها، ما يتطلب تضافر جميع الجهود الوطنية بوعي والتزام للوصول الى المأمول من هذه القرارات، ولاشك في القدرة على النجاح. فمسيرة الإصلاح ستنطلق قوية بقوة الأوراق التي تمتلكها دمشق، هذه القوة التي تتجلى دائماً في المستجدات والمتغيرات، والتي تنبع من وجدان الشعب وأصالته ووحدته، وحرصه على الأمن والاستقرار والازدهار.
ومن أهم هذه الأوراق الوعي الجمعي المتقدم لمخاطر الانقسام والفتن، في وقت يبرز فيه الاهتمام الرسمي بالرغبات الأهلية للتوجهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والاتجاه الواضح، والمتميز لبناء مجتمع قادر على إنتاج وطني لإدارات ونظم وقوانين تطوّر علاقة السلطة بالمجتمع، بناء على اعتبارات داخلية أولاً في إطار المصلحة الوطنية، بعد أن توضّح أنّ التدخل الخارجي ليس مقبولاً، وهو لا يريد إصلاحاً، ولا ثورة، ولا ديمقراطية.. ولا ديكتاتورية ولا شمولية، لأنه مبني على استغلال المتغيرات لحماية مصالحه، وغير معني بحقوق الشعب والأمة، تلك الحقوق التي يشكّل المشروع الصهيوني أكبر خطر عليها.
هذا التدخل الذي طالما أعاق التوافق الرسمي العربي، وجنّد أفراداً ومؤسسات لدعم خططه وتوجهاته، وأدى الى إرباك وعجز الاستقرار والازدهار لدى ما اعتبره في المنطقة أنظمة ديمقراطية أو أنظمة شمولية، ومن هذا القبيل يمكن إعادة النظر فيما كتبه توماس فريدمان مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز واصفاً الثورات العربية الراهنة باستثناء ثورتي تونس ومصر بأنها حروب أهلية بين قبائل.
والواقع نحن في مرحلة إنجاز ومراجعة مؤسساتية ديمقراطية على مستوى الحكومة والأحزاب ومجلس الشعب والإدارة المحلية، مراجعة تقترن بالهدوء والتروي سيتبيّن بشجاعة معها الخطأ والصواب، حيث الهدف الأسمى أمن الوطن والمواطن ومصلحتهما. وليكن نيساننا الجاري من أمجاد دمشق، وأوراق قرارها القوي.