كلمة البعث

غـــــداً.. الجمعــــــة

د. عبد اللطيف عمران

من المستقر في الأذهان عراقة الشعب السوري حضارة وتاريخاً ومجتمعاً، فنزوعه نحو الأمان والاستقرار والتحرر والوعي مقترن بأصالته وهويته الوطنية وانتمائه العروبي الراسخ، وباعتزازه -تقليدياً- بتمسكه بقضايا الأمة ومصالح الشعب.

فسورية كانت وستبقى قلب العروبة وقبلتها، وحصن الأمة المنيع الذي اندحرت أمامه مختلف التحديات بصمود شعبها وكبريائه، فهي التي عملت شعباً وقيادة على ترسيخ الوحدة الوطنية، والشعور القومي، وبالأمس القريب اندفع شعبها في مختلف المحافظات للوقوف الى جانب الأشقاء في المحن التي تعرضوا لها.. وعملت على تعزيز الحوار الداخلي والوفاق الوطني، ودعم وحدة الشعب والأرض والسيادة الوطنية في البلدان العربية التي تهددتها المخاطر والتدخل الخارجي. وتابعت مسار سياساتها الداعمة للسلام والأمن والاستقرار والتكامل الإقليمي.

هذا جميعه سيمكّن سورية من التغلب على الأزمة الراهنة التي تمرّ بها، والتي تسللت إليها من ثغرات تمّ استغلالها أبشع استغلال، حتى لتكاد مشاعر الاستغراب والقلق والتساؤل تخيّم على الجميع، كيف يحدث هذا في سورية؟.

سورية الحامل الوطني والقومي والأخلاقي الراسخ، تتعرض اليوم لمشروع فتنة وتخريب، يتورط البعض خلاله بالعمل على ضرب المنشآت الوطنية الحيوية، وتدمير وحرق المقار الحكومية والشعبية، والممتلكات العامة والخاصة، وفوق هذا وهذاك يتآمرون بوحشية على إرباك جيشها الوطني وقتل عناصره، والتمثيل بجثثهم بحقد ووحشية لا تمت الى أعراف شعبنا، هذا الجيش الذي سطر أروع ملاحم الشهادة والتضحيات عبر تاريخه الأغرّ.

ومن المؤسف، والمخالف للمنطق والواقع، أن تلقى عناصر التخريب المغرّر بها -والتي تتراجع وتندحر وتعترف بقصور الوعي والإرادة ندماً وخزياً يوماً بعد يوم- بعض الدعم من أطراف محلية وإقليمية ودولية، دعماً بالمال والسلاح والإعلام.. في وقت تمضي فيه مسيرة الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي.. بخطى سريعة مدروسة بدقة، وتظهر ملامحها ونتائجها مع كل يوم..

وفي الوقت الذي تنطلق فيه الإصلاحات وتظهر بوادر الحوار الداخلي الواسع، واحترام حق الاختلاف، والرأي الآخر والإنصات إليه بدقة وموضوعية على أعلى المستويات، وتخسر فيه أدوات مشروع الفتنة مواقعها وعناصرها وادعاءاتها، فإن بعض هذه الأدوات تمضي في ضلالها وعبثها وحسابها الخاطئ الذي سيقابل بالقريب برد شعبي عارم وحساب عسير مصدره الوعي الاجتماعي القوي، والشخصية الوطنية الراسخة التي يعمل هؤلاء على تدمير هويتها الوطنية، وأصالة انتمائها.

هؤلاء الذي يتمردون على ما تحقق من إصلاح كان مطلوباً، وحين صار ناجزاً يقومون بالانقضاض عليه، تأكيداً على أنهم ينسفون الجهود المبذولة، والظروف الملائمة لاستكمال الحوار الوطني، والإصلاح والبناء، والوحدة المجتمعية، انطلاقاً من شرط أساسي هو الأمن والاستقرار، والذي هو مطلب يلحّ الشعب على محاسبة من يعبث به أشد وأقسى حساب.

فهؤلاء ليسوا نشطاء ولا محتجين ولا معارضين، كما هو مطروح زوراً في المعجم السياسي الغربي الراهن الممهِّد للتدخل الأجنبي الذي يستنهضه هؤلاء، وهم ليسوا طرفاً، ولا يستطيعون أن يتشكلوا كطرف واضح المعالم على نحو ما يجتهد الآخر لتشكيله، فأغلبهم مزيج من الصف الثاني من الأصوليين والمهربين وأصحاب السوابق.

ولأنه في تاريخ الحركات الشعبية تكون النتائج منسجمة مع طبيعة القوى المشاركة في هذه الحركات، فلن يراهن شعبنا على قوى الظلام والخراب والفتنة، ولاسيما أن طلائع هؤلاء تشكلت على أساس غير سلمي، ودون حوار، بل على أساس من السلاح، والقتل، والترويع، وهذا ما يرفضه مجتمعنا الوطني بمؤسساته الشعبية والحزبية والرسمية والأهلية، وبأصالته وشخصيته الوطنية والاجتماعية والأخلاقية المعروفة. ما سيجعل من رهان هؤلاء على الفتك بقيم يوم الجمعة وأعرافه الدينية والشعبية سراباً، فشعبنا على ثقة بما أكده الرئيس الأسد من أن “مناعة سورية مرتبطة بالإصلاحات التي ستقوم بها، وبحاجات المواطن”.