اقتصاد

نحو 16 مليار م3 حاجة سورية من المياه سنوياً المدير السابق لمشروع الاستمطار: الإعمار يتطلب إدارة رشيدة للمتوفر منها وإلاَّ.. ولا بدّ من الانتقال إلى إدارة الطلب الآن

رغم أن الوضع المائي في سورية حالياً ليس كما يجب، لكن يمكن استدراكه والحفاظ على الحدّ المطلوب مبدئياً، وذلك من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه الحالية والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، وخاصة أننا بتنا على أعتاب إعمار سورية، وبالتالي لابد من أخذ قضية الأمن المائي في الحسبان، ففي الفترة الماضية كانت سياسة الدولة تعمل على تنمية المصادر المائية عبر بناء بنية تحتية كبيرة (سدود – قنوات – محطات تنقية..الخ) بهدف تزويد مستخدمي المياه، أما الآن فعلى الدولة أن تنتقل إلى إدارة الطلب، أي بمعنى كيفية إدارة المياه المتوافرة لدينا بأفضل صورة ممكنة.

تناقص
تشير الأرقام التي أوردها لـ”البعث” الخبير بالشأن المائي الدكتور علي عباس إلى أن هناك تناقصاً في الموارد المائية وازدياداً في الحاجة إليها، وسدّ هذه الفجوة يتم بزيادة الواردات المائية وترشيد الاستهلاك المائي، ويتأتى ذلك إما من خلال تحلية مياه البحر -وهذا غير وارد حالياً بسبب ارتفاع تكاليف إنشاء محطات التحلية- أو من خلال الاستمطار، واعتماد الري الحديث.
ويوضح عباس -الذي تولى إدارة مشروع الاستمطار في وزارة الزراعة سابقاً- أن إدارة المشروع قامت بدراسة حول معدل تناقص هطول الأمطار في سورية منذ عام 1946 إلى عام 1990، وكانت النتيجة أن معدل التناقص 13%، مشيراً إلى أنه في خمسينيات القرن الماضي كان عدد سكان سورية نحو 3.5 ملايين نسمة والآن تجاوز عدد السكان 23 مليوناً، موضحاً أن حاجة سورية من المياه سنوياً تصل إلى نحو 16 مليار م3، يتم تأمين 12 ملياراً منها من نهر الفرات و4 مليارات من الهطلات المطرية البالغة 16 مليار م3 التي يذهب قسم منها إلى البحر والقسم الآخر يتبخر، ولا يبقى سوى 4 مليارات م3 يستفاد منها للاستهلاك.

مقبول ولكن..!.
وعلى الرغم من أن نصيب الفرد من المياه في سورية هو بحدود 800 -900م3، أي دون حدّ الفقر المائي المحدّد بـ 1000م3 للفرد سنوياً، لأغراض الشرب والغسيل والزراعة والصناعة، فقد اعتبر عباس أن الوضع المائي في سورية لا يزال مقبولاً إلى حدّ ما مقارنة مع بعض الدول، حيث ينخفض في الأردن إلى 150م3، لذلك لابد من اتخاذ كل إجراءات الحفاظ على الثروة المائية.
القادم أعظم
توجد في سورية سبعة أحواض رئيسية (حوض اليرموك – حوض بردى والأعوج – حوض الساحل – حوض العاصي – حوض حلب – حوض الفرات والخابور – حوض البادية)، خمسة من هذه الأحواض تعاني عجزاً مائياً باستثناء حوضي الساحل والفرات، حسبما أكدته المهندسة مخلصة الزعيم المدير السابق لمشروع تقوية قطاع المياه في الوكالة الألمانية للتعاون الفني GTZ، حيث عزت أسباب هذا العجز إلى الاستخدامات الكثيرة الزائدة عن المتوافر والاستجرار الجائر للمياه الجوفية التي تحتاج إلى سنوات طويلة للتجديد، وخاصة بعد نقص الهطلات المطرية خلال السنوات الماضية، فضلاً عن أسباب غير فيزيائية لها علاقة بالاستخدامات كالازدياد السكاني الهائل في سورية غير المضبوط، وتوزّع النشاطات الاقتصادية غير المدروس.
وأضافت الزعيم: إن التغيرات المناخية تشكل تحدياً كبيراً للوضع المائي السوري، ما يوجب اتخاذ إجراءات تأقلم معها بشكل استراتيجي، وإلا ستكون لدينا صورة مظلمة للجفاف والعجز المائي في ظل الازدياد السكاني والمتطلبات الهائلة للتنمية الاقتصادية، موضحة أنه ما دام 90% من الموارد المائية يستخدم في الزراعة، فإن سورية حتماً ستصنف من الدول شبه الجافة، وهذا يوجب أن تكون لدينا إدارة رشيدة للمياه أكثر من أي دولة أخرى، فألمانيا -على سبيل المثال- لديها إدارة رشيدة للمياه رغم أنها بلد غير جاف، إضافة إلى ضرورة وجود سياسة سكانية جيدة، فليس من المعقول أن يكون لدى سورية زيادة سكانية تبلغ 2.4% وهي من أعلى الزيادات في العالم حتى الآن.

من الآخر
يؤكد العلماء أن المياه المتوافرة على سطح الأرض تكفي -وللأبد- البشرية جمعاء، ولاسيما أن كمية الأمطار التي تهطل على الأرض سنوياً ثابتة، ولكن توزيعها يختلف من إقليم إلى آخر، غير أن ما يعانيه العالم من تناقص هذه الثروة التي لا بديل عنها على الإطلاق هو من صنع البشر بقصد أو بغير بقصد، إما من خلال الإسراف والتبذير غير المبرر، أو باحتكارها عبر إقامة السدود بطريقة تحرم من له حق فيها، وإذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فسنشهد أسوأ سيناريوهات الجفاف.
دمشق – حسن النابلسي