ثقافة

“المسرح الغنائي”.. المواءمة بين الغناء والمسرح

المسرح أبو الفنون وأولها، يعود تاريخه إلى أيام الإغريق والرومان، مع قدرته على المواءمة بين عناصر فنية متعددة، حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني بعد حلبات المصارعين والسباقات.
بدأ المسرح العربي بالظواهر الدرامية الشعبية التي ظل قسم منها مستمراً حتى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، أما القسم الآخر فما زال يقدّم حتى الآن مثل: فنون الرقص الغجرية، خيال الظل، السير الشعبية، أو عاشوراء التي كانت سبباً لظهور أشكال مسرحية مهمة أخرى مثل: الإخباري والسماح، حفلات الذكر، المولوية في المشرق العربي، ومسرح البساط، صندوق العجائب، المدّاح، الحكواتي، وإسماعيل باشا في المغرب العربي.
المتأمل في تاريخ الدراما عبر العصور المختلفة يلاحظ ارتباط الدراما المسرحية بالموسيقا، والغناء، والرقص طوال تاريخ المسرح، ففي التراجيديا اليونانية القديمة، كان الجزء الخاص بالكورال يُؤدى بمصاحبة الموسيقا، والغناء، والرقص، كذلك الأمر، فإن فن الاوبرا الذي بدأ في ايطاليا مع أوائل القرن السابع عشر، جاء ميلاده نتاج محاولات عديدة لإحياء مبادئ التأليف الموسيقي للدراما الإغريقية، أما أشكال التسلية والمسرحيات الهزلية الساخرة التي عرفها القرن التاسع عشر مثل “فود فيل”، و”برليسك”، فكان للموسيقا، والغناء، والرقص ففيها دور أساسي.
هذه الفنون جميعها فنون أدائية ما يجعل بينها تقارباً طبيعياً يتيح مساحة للارتباط الفني، بالإضافة إلى أن الغناء والرقص يلاقيان إعجاباً شعبياً واسعاً لما يحققانه من متعة، وتسلية، وترقية على أعلى مستوى، خاصة مع استجابتهما للإيقاعات المتنوعة، فالغناء يؤثّر في المشاعر والأحاسيس، خاصة إذا كان صادراً عن مطرب محبوب يملك صوتاً وشخصية آسرين، والرقص يثير الإعجاب بشدة إذا كان صادراً عن جسد راقص موهوب ومُدرب تدريباً جيداً يتسم بالجمال، والرشاقة، والتناسق بين مكوناته، وحين ترتبط الدراما المسرحية بالموسيقا، والغناء، والرقص ارتباطاً عضوياً، فإنها تنتج ما يسمى بالمسرح الغنائي الذي هو جنس فني مركب نشأ في الغرب له خصائصه ومقوماته، ويتوسل بلغة فنية مركبة، تتألف من الشعر، والموسيقا، والرقص، والتمثيل في التعبير عن أحداثه، ومن ثم فإن المسرح الغنائي هو مسرح شامل، واصطلاح المسرح الغنائي إنما يطلق على هذا النوع من المسرح الذي يحتوي على أغان وموسيقا، ولكن بشرط أن تكون لهذه الأغاني ضرورة درامية تخدم الصراع، وتساعد على تطوره، وتنّمي الحدث الدرامي، والأغنية في هذا النوع من المسرح تكون بمثابة الفكرة الأساسية في المشهد، لأنها تصبح المشهد، وجوهره، وخلاصته، وهدفه، فهي دراميته، بمعنى أنه حين تصبح الأغنية الأداة المناسبة لطرح كل مساحة الأفكار الدرامية، فإنها تنتج مسرحاً غنائياً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، وبهذا المعنى، يشير الاصطلاح إلى احتواء النص على أغان من ناحية، ويشير كذلك إلى طريقة استخدام الأداء الصوتي في العرض من ناحية أخرى، وقد تنوعت صور المسرح الغنائي الغربي، وتعددت أنواعه بين الاوبرا، والاوبريت، والكوميديا الموسيقية، وغيرها من أنماط وأشكال المسرحية الغنائية.
في هذا الإطار، يعتبر أبو خليل القباني، رائد المسرح في سورية، وأحد صنّاع المسرح العربي الغنائي، ظاهرة متميزة، فقد استطاع، وبإمكانات بسيطة، أن ينتزع إعجاب الناس بمسرحه الذي اعتمد فيه على الموشحات، والتراث الشعبي، والتاريخ العربي، لتكون المادة الأولى، والقوام الأساس لمسرح فيه الفائدة، والمتعة، والفن في آن معاً.
وهكذا فإن المسرح الغنائي يتميز بأهمية عنصري الموسيقا والغناء، حيث يشكلان أساس هذا المسرح الذي يعتبر شكلاً جديداً محوّراً عن الاوبرا.

إبراهيم أحمد