اقتصادتتمات الاولى

الكوريدور السوري الأخضر” قيد التبنّي مقترح لربط مرفأ اللاذقية بمرفأ نوفوروسيسك الروسي بممر مائي تتدحرج عبره الصادرات الزراعية

من يهيمن على البحر يهيمن على التجارة، ومن يهيمن على التجارة العالمية يهيمن على ثروة العالم وبالتالي على العالم نفسه..، مقولة لعلها كانت الدافع للمركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة إلى إعداد آخر دراساته حول الاستفادة من خطوط النقل البحري وتوظيف إمكاناتها لخدمة التجارة الزراعية السورية حملت عنوان “الكوريدور الأخضر السوري: النفاذ بحراً إلى الأسواق الشرقية”، وتناولت هذه الدراسة مميزات النقل البحري الزراعي وخصوصيات الواقع السوري وتقديم مقترحات لخطوط بحرية سورية مع الدول الشرقية الصديقة، واستخدامها لتصدير عدد من السلع الزراعية السورية، وذلك انسجاماً مع السياسة العامة للحكومة السورية التي تقضي بالاتجاه شرقاً خلال المرحلة الحالية، كما قامت بتصميم وتطبيق أنموذج رياضي اقتصادي لمعرفة مدى أهمية النقل البحري في تعزيز التجارة الزراعية.
المهندس محمود ببيلي رئيس قسم التجارة في المركز أوضح في تصريح خاص بـ”البعث”، أن المقصود بالكوريدور هو (الممر المائي) و(الأخضر) دلالة على المنتجات الزراعية التي ستصدّر عبره، مشيراً إلى أن ثمة تجربة عربية ناجحة في هذا المجال هي تجربة الكوريدور الأخضر ( 2002)، الذي تم تنفيذه بين مصر والاتحاد الأوروبي على شكل مشروع مموّل أوروبياً، حيث نتج عن المشروع زيادة كبيرة بالصادرات المصرية من الفواكه والخضار إلى إيطاليا وعبر إيطاليا إلى أوروبا، وهذا ما يعزز إمكانية تطبيق مثل هذا المشروع في الدول المتوسطية الأخرى إن توفر له التمويل اللازم.

في حال تبنّيه
وأضاف ببيلي أن فكرة هذه الدراسة تتمثل باقتراح كوريدور بحري أخضر سوري على غرار الكوريدور الأخضر المصري، يربط المرافئ السورية بنظيراتها في الدول الشرقية الصديقة، ما يتيح تصدير السلع الزراعية السورية بسهولة ويسر، ولاسيما تلك التي يوجد فائض منها يحتاج إلى تصريف سريع كالحمضيات، أو تلك التي يمكن تطوير إنتاجها إذا توفرت قناة فعّالة وكفؤة للتصريف مثل أزهار القطف.
وبيّن ببيلي أن الدراسة تقدم مقترحاً عملياً لربط مرفأ اللاذقية بمرفأ نوفوروسيسك الروسي بواسطة كوريدور أخضر، على أن يتم عرض المشروع في حال تبنّيه من الجهات المعنية على جهات مانحة أخرى للمساهمة بتمويله وتنفيذه، علماً أن الدراسة كانت بصدد تقديم مقترح آخر يتعلق بمرفأ أوديسا الأوكراني، إلا أن التطورات السياسية في أوكرانيا جعلتنا نصرف النظر حالياً عن مقترح الكوريدور الأخضر مع أوكرانيا ونكتفي بمقترح الكوريدور الأخضر مع روسيا.

من وإلى
ولفت ببيلي إلى أن هذا الكوريدور يعتمد نظام الـ(RORO) الذي هو اختصار لعبارة (Roll-on/roll-off ) أي “تدحرج من – تدحرج إلى” وتستخدم بهذا النظام سفن كبيرة لحمل شاحنات ذات عجلات، وخلافاً للسفن الأخرى تمتاز هذه الطريقة بصعود الشاحنات المحمّلة بالسلع الزراعية إلى سطح السفينة أي دون تفريغ وتحميل، ثم نزولها من السفينة بالطريقة نفسها في المرفأ المقصود، ما يوفر بالتالي الوقت ويقلل احتمال تلف السلع الزراعية المشحونة، كما أنه يحدّ من الفاقد الذي قد تتسبّب به عملية التفريغ والتحميل في المرفأ، فضلاً عن كونه أكثر كفاءة اقتصادياً من ناحية التكاليف حيث يتم توفير تكاليف التحميل والتفريغ، ويبقى سائقو الشاحنات مع شاحناتهم على ظهر السفينة ليعودوا ويقودوها مجدداً بعد النزول إلى المرفأ في البلد المستورد.

قرى الشحن
وفي إطار الإعداد لمثل هذا الخط تناقش الدراسة مفهوم “قرى الشحن البحرية”، التي هي عبارة عن مجمّع موحّد لكل خدمات وتسهيلات النقل والشحن للبضائع، بما في ذلك مستودعات وبرادات التخزين وتجهيزات التعبئة والتوضيب والفرز، بالتنسيق مع الجهات المعنية كالجمارك والمرافئ ووزارات الزراعة والاقتصاد والتجارة والصناعة والصحة والنقل والداخلية، وتعمل بنظام دقيق يضمن دقة وسرعة النقل والشحن للبضائع مع التوفير في الكلف.

رافعة لتصديرنا
لم تكن هذه الدراسة بمنأى عن الاختبار الرياضي والمنطقي، إذ تتمثل أطروحة هذه الدراسة من الناحية العلمية بفرضية أن النقل البحري يساهم -بمعنوية حقيقية- في رفع مستويات التصدير الزراعي السوري، لذلك حتى تكتمل الدراسة أكد ببيلي أنه كان لابد من اختبار صحة هذه الفرضية من خلال تصميم أنموذج رياضي للتوازن الجزئي، واستخدام أكثر من منهجية وتطبيق، لتقييم العوامل المؤثرة في الصادرات الزراعية السورية ومن بينها عامل خطوط النقل البحري، وقد كشفت النتائج وجود معنوية قوية لتأثير عامل الشاطئية –أي كون البلد الذي تصدّر له سورية سلعها الزراعية ذا شاطئ – في رفع مستويات التصدير الزراعي السوري، وهو ما يشير إلى نزعة قوية لدى الصادرات الزراعية السورية إلى استهداف الدول التي تملك شواطئ بحرية وبالتالي مرافئ بحرية، ما يعزز فرضية هذه الدراسة من أن النقل البحري يساهم إيجابياً في تعزيز الصادرات الزراعية السورية.
كما كشفت النتائج عن وجود معنوية متوسطة وقريبة إلى الكبيرة لتأثير عامل “افتتاح خطوط نقل بحري” في نمو الصادرات الزراعية السورية، وبالنتيجة يمكن القول: إن الصادرات الزراعية السورية تتأثر إيجاباً وبمعنوية لا بأس بها في افتتاح أو توسعة خطوط بحرية سورية، وبالتالي تكون الفرضية المراد اختبارها في هذه التحاليل صحيحة، ويمكن القول: إن تأسيس خطوط للنقل البحري هو عامل مهم يساعد فعلياً على تنمية الصادرات الزراعية السورية.

توصيات
وتوصي الدراسة بالعمل على تأسيس مشاريع تصديرية زراعية جديدة تتكامل مع تأسيس خطوط بحرية مستحدثة وتهدف إلى إنتاج وتصدير السلع الزراعية الأكثر ملاءمة للتصدير بحراً بشكل عام وبطريقة الـ(RORO) بشكل خاص، ومنها أزهار القطف والفريز والحمضيات، كما توصي بالقيام بدراسات مستقبلية تفصيلية على غرار الدراسة الحالية لاستكشاف القطاعات الزراعية أو المنتجات الزراعية المفردة التي يكون تأثير النقل البحري الإيجابي في تصديرها ذا معنوية أعلى واقتراحها لتكون مستهدفة بالتصدير الزراعي البحري، وتوصي بالسعي إلى عقد اتفاقيات تجارة حرة مع الدول الصديقة بهدف حذف أو تخفيض التعرفة الجمركية الزراعية لدى تلك الدول وبالتالي تشجيع التصدير الزراعي السوري إلى أسواقها.
يذكر أن هذه الدراسة تم رفعها إلى وزير الزراعة للموافقة عليها، ليصار إلى تعميمها على الجهات المعنية بتبني تفاصيلها وحيثياتها وبالتالي ترجمتها على أرض الواقع، مثل وزارتي الاقتصاد والنقل، واتحاد غرف الزراعة، وهيئة تنمية وترويج الصادرات وغيرها.
دمشق – حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com”