اقتصادتتمات الاولى

أجهزة الرقابة “أذن من طين وأخرى من عجين” وإصرار على تدخّلها أزمة “مازوت” مختلقة لتنشيط السوق السوداء قبل “الشتاء” صنّاعها مديرو محطات وتجار حاذقون

شائعات نشرها تجار الوقود مفادها أن مادتي المازوت والبنزين أفقدتا “قصداً” في بعض المحطات بهدف رفع أسعارهما لاحقاً وذلك لخلق حالة من التوتر، بالمحصلة أدّت إلى رفع سعر اللتر الواحد من “المازوت” بمقدار الضعف في السوق السوداء، وبعضهم أكد أنه اشتراه بـ200 ليرة وهو المطلوب لتحقيق مكاسب خيالية قبل أن تؤمّن الجهات الحكومية المختصة السلعتين في محطات التوزيع كافة، وتحديداً الرئيسية منها، بعد أكثر من ثلاثة أيام من انقطاع المادة الأولى “المازوت” الأكثر أهمية للصناعة وللمركبات.
مسبّبات
وحتى لا نكون كمن يغنّي على ليلاه، نشير إلى أن الشائعات تستند دائماً إلى معلومات رسمية عن وجود مناقشات وجدال واسع ومعقد منذ عدة أشهر تشهدها أروقة الحكومة حيال موضوع رفع أسعار المشتقات النفطية بمعدلات تتراوح بين 10 إلى 20%، بين مؤيّد للرفع ومعارض له، على أن يتم الرفع بعد دراسة معمّقة ووافية تبين الآثار التي يمكن أن تنجم عن هذا الرفع السلبية منها والإيجابية.
ودون أدنى شك، سعت الحكومة من وراء هذا الرفع التدريجي للمشتقات النفطية خلال الأزمة، إلى ضبط عملية الهدر والتهريب وتوفير القطع الذي يذهب بكميات كبيرة إلى الدعم.
وبعكس التوقعات كان يفترض أن يستقر سعر لتر المازوت في السوق السوداء أو يتراجع إلى أدنى مستوى له بعد تصريح وزير النفط والثروة المعدنية المهندس سليمان العباس مطلع الشهر الجاري بإعلانه عن برنامج زمني لتوزيع المازوت على العائلات في بداية شهر آب تلافياً لحدوث اختناقات أثناء موسم الشتاء، وتأكيده أن الوزارة تلبي احتياجات جميع المحافظات من المحروقات، والملاحظ فقدان الماوزت من المحطات الرئيسية “الحكومية” في مركز محافظتي دمشق وحلب.
وعود
تصريحات الوزير التي ما زالت قيد التنفيذ، بالتزامن مع عدم تزويد “كازيات” بالمادة دفعت تجار السوق السوداء بالتنسيق مع قائمين على محطات بعينها، إلى نشر شائعات مغرضة وكان لهم ما ابتغوه؟!؛ ومن يتجوّل بمحيط “كازية” نهر عيشة “الحكومية” –على سبيل المثال- يرَ بأمّ العين مافيات المازوت بالسوق السوداء، لمادة متوافرة بكميات كبيرة لديهم ومفقودة تماماً داخل “الكازية”، بصراحة “شي بيحطّ العقل بالكف” على حدّ قول أحد سائقي الشحن المنتظر دوره مع العشرات من زملاء المهنة.
دائماً هناك فرق بين الحقيقة والوهم والمشكلة الحقيقية أن بعضهم يعيش في عالم من الأوهام، فالحكومة حتى الآن ومنذ عام تقريباً، لم تقم برفع سعر المازوت ورغم ذلك ما زالت السوق السوداء الأنشط في تأمين المادة للمواطن وأجرة النقل متفاوتة بين سائق وآخر، علماً أنهما على خط السير نفسه، بحجة عدم توافر المادة نظامياً وأنهم يشترون “المازوت” من “السوداء” كل يوم بسعر مختلف عن اليوم السابق، ومن المحطات بزيادة تتراوح بين 20 إلى 30 ليرة سورية، بإجماع عدد كبير من السائقين، طبعاً في ظل غياب شبه تام للجهات الرقابية.
غياب عن الساحة شجّع أصحاب محطات “خاصة” ومديري أخرى “حكومية” على التعامل مع تجار لفتح سوق سوداء “علناً” في محيط تلك المحطات، وعلى عينك يا مواطن.. دراما محبوكة بشكل جيد مشهدها الرئيسي فوضى وأزمة وصراع وشجار، داخل المحطة لـ”تطفيش” السائقين إلى السوق السوداء المجاور، لدرجة فضّل معها الكثيرون منهم شراء المادة من السوق السوداء بدلاً من هدر وقته أمام “الكازية” أو الدخول بمهاترات عقيمة، كما قال عدد منهم لـ”البعث” في استطلاع.
حقائق
نعم هناك تغيّرات طرأت على واقع إنتاج النفط نتيجة الأحداث التي تشهدها البلاد، ما أدّى إلى تراجع الإنتاج محلياً وتوقف تزويد المصافي واللجوء إلى استيراد النفط الخام لتشغيل مصفاة بانياس وإنتاج المشتقات النفطية لتغطية الطلب محلياً، إلا أن الأداء يكاد يكون ناقصاً في ظل غياب الحلقة الرئيسية وهي الأجهزة الرقابية في وزارتي النفط والتجارة الداخلية.
الجميع يطالب بها منذ بدء الأحداث في البلاد دون أن نجد أذناً مصغية عن قصد أو عن غير قصد، المهم الآن الحدّ ما أمكن من سوق سوداء المازوت التي تفاقمت لدرجة لم تعُد تطاق، وكان لتجارها المحترفين بالتعاون مع مديري المحطات دور كبير في تضخّم أسعار السلع كافة بسبب تكاليف النقل الباهظة غير المنطقية، والجميع يعلم أن الأزمة السورية قد أرخت بظلالها على كل جوانب الحياة للمواطن السوري، ومن أهم تلك الجوانب الجانب الاقتصادي، فعلى الرغم من صمود المواطن السوري في وجه كل التحديات، إلا أن الجانب المعيشي بات يشكل هاجساً يومياً له.
دمشق – سامر حلاس