اقتصاد

التأكيد على زيادة خطة محصول القمح على حساب الزراعات المكلفة الأخرى في ظل المتوالية المناخية.. المطلوب محاصيل زراعية أقل استهلاكاً للمياه وإحياء مشروع تطوير الثروة الحيوانية

بدأت مديريات الزراعة في جميع المحافظات دراسة الخطة الزراعية لموسم 2014– 2015 ووضع اللمسات الأخيرة على كل محصول، لكن من خلال اهتمامنا بالشأن الزراعي وما سمعناه من تصريحات من قبل المعنيين في وزارة الزراعة، بأن خطة المحاصيل الإستراتيجية ستبقى كما كانت في العام المنصرم وخاصة محصولي القمح والقطن، نريد التوقف طويلاً في هذا الشأن، لعدة أسباب سنتناولها بمنطقية..
في مقدمتها.. نسأل هل كانت خطة محصول القمح الماضية مرضية وحقّقت المطلوب منها؟، إذ لم نصحُ بعد من الصدمة بل من الانتكاسة جراء تدني إنتاجنا من المحصول، الذي لم يتعدَ الـ 517 ألف طن، في حين قدّرت وزارة الزراعة أن يصل الإنتاج إلى 3 ملايين طن، ثم أعادت التفكير وتوقعت أن يصل إلى 2مليون و300 ألف طن، فلا أفلحت هنا ولا أصابت هناك؟!!.

تقديرات خلبية
لا ننوي نكأ الجراح خصوصاً وأننا جربنا آلام جني المحصول آنذاك، لكن المثير للضحك أن المعنيين في وزارة الزراعة لغاية الفترة الأخيرة ما فتئوا يتغنون بأن خطة محصول القمح للعام الماضي قد وصلت نسبة تنفيذها إلى 77%، في الوقت الذي يجب أن ينصبّ الحديث الآن على التحضير للموسم القادم، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن بعض المعنيين في الوزارة ليس لديهم الاطلاع الواسع عما يجري على الأرض، بل إن هذا يدل أيضاً على منتهى السطحية الذي يعيش بها بعض المدراء في الوزارة، ما يؤكد بأنهم في وادٍ وواقع الحال في وادٍ آخر.
فإذا أردنا أن نعيد لمحصول القمح مجده الذي افتقدناه خلال السنوات الماضية جراء السياسات الزراعية الخاطئة، فضلاً عن الظروف المناخية التي لم تكن مواتية لحصد بيادر الخير من المحصول، فعلينا التركيز منذ الآن على كيف ستكون الحال في الموسم القادم؟.

القمح أولاً وعاشراً
من المعروف بأن الخطة الزراعية لمحصول القمح تعتمد على المساحات المروية بالدرجة الأولى، وهذا متوفر بحدود 85% فضلاً عن الواردات المطرية الأخرى، ما يعني أن إرواء المحصول متاح وهو لا يحتاج لأكثر من 3- 4 ريات في حال كانت المعدلات المطرية مقبولة، في حين يحتاج محصول القطن من 8- 15 رية وفقاً لكل محافظة ودرجات حرارتها وهذا مكلف جداً.
وحسب التقديرات التي أعدّها المجلس العالمي للحبوب، فإن منطقة الشرق الأوسط ستصبح الأكثر إشكالاً على الاستيراد من الخارج لتوفير احتياجاتها، ليس فقط من القمح بل أيضاً من الحبوب الأخرى وذلك بسبب موجة الجفاف التي تسيطر على المنطقة، الأمر الذي يحتّم علينا مضاعفة الإنتاج ووارداته ولاسيما ما يتعلق منه بالقمح.
لماذا؟ الجواب: لأن كل كمية تأتي من أرضنا توفر علينا استيرادها المكلف جداً جراء ارتفاع أسعار الشحن والمحروقات وبوالص التأمين الأخرى.
لقد كنّا في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات عند احتياجنا أي كمية من القمح، يتم سحبها من المخزون الاحتياطي، وكان لدينا ما يكفي لسنة وسنتين، لكن اتباع سياسات زراعية خاطئة جعل الزراعة تنحرف عن مسارها وسكتها الصحيحة، الأمر الذي جعل مخزون القمح لدينا يهبط من الاكتفاء لعدة سنين إلى سنة في أحسن الأحوال.

وجهة نظر
ولعلّ تعرّض البلد خاصة والمنطقة عامة لدورات متتالية من الجفاف كان وسيكون عائقاً ومؤثراً بصورة خاصة على مستويات الإنتاج.
من هنا نرى أهمية تعويم محصول القمح على حساب الزراعات البسيطة الأخرى، حتى وإن كان القطن والشوندر ولو لعام واحد أو عامين.. هي وجهة نظر باعتبار هناك مهم وهناك الأهم، ولاسيما المحاصيل المستهلكة للمياه التي بدت وارداتها قليلة ومحدودة وترافقت بارتفاع تكاليف إنتاجها.

بالدليل
ومن نافل القول: لابد لنا من الإشارة إلى أن محصول الشوندر لهذا العام لم يتعدَ الـ 42ألف طن نتج عنه سكر أبيض 3633 طناً، وخسرت الشركة المصنّعة لهذه الكمية أكثر 30 مليون ليرة جراء الاستخدامات الزائدة لمادة الفيول، حيث المعيار الحقيقي لتصنيع كل طن شوندر هو 46 كغ من الفيول، في حين ارتكبت اللجنة الفنية خطأً فادحاً بقصد أو بغير قصد واستخدمت 63 كغ، ما ألحق بالشركة هذه الخسارة باعتبار سعر الطن من الفيول هو 50 ألف ليرة.

بصريح العبارة
الخلاصة.. علينا البحث عن زراعات أقل استهلاكاً للماء، لا بل يجب أن تساهم سياسات التنويع الزراعي لدينا وخصوصاً لجهة زيادة الاهتمام بالثروة الحيوانية في رفع حجم وارداتنا، خاصة وأن كل ما نسمعه من تصريحات لا يقدم ما لم نرَ على الأرض شيئاً ملموساً، ولعل ما نشاهده من معاناة المربين يومياً بحثاً عن المادة العلفية والمحروقات لآليات النقل خير دليل على صحة ذلك.
ولأن قوة سورية وصلابة موقفها تعود لصحة اقتصادها، وهي كلمة السر المتمثل في قوة ونجاعة القطاع الزراعي، كما أن مزارعينا جاهزون لكل التحديات، شريطة توفير كل ما هو مطلوب لهم فعلاً لا قولاً.
حماة– محمد فرحة