ثقافة

يا إله الحزن الجميل .. بارك موتنا

لطالما رددتُ هذه العبارة على مسامع أصدقائي الواقعيين والافتراضيين معاً.. ولطالما عَبَّرَ الجميعُ عن مدى إعجابهم وإحساسهم بها..لكن!؟ هل استطاع أحدٌ منهم معرفة كيف يباركُ إلهُ الحزن الجميل.. الموت؟
الشهادة ولادة.. فمباركٌ لمن انتصر على الحياة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).. متاعٌ تركهُ المئات بل الآلاف من شباب سورية لأجل الشهادة في سبيل الوطن، وسبيلنا، فكانوا الفرقة الناجية من جحود الحياة على مختلف انتماءاتهم المذهبية والسياسية والمناطقية..
كانوا موتنا.. فهل نحنُ أهلٌ لأن نكون حياتهم!؟
أتمسكُ بكل ما أملكُ من قوة بهذه الحياة، لا لأجل متاعها، بل لأنهم منحوني إياها، ولا أستطيعُ إلا أن أكون صلة الوصلِ بينهم وبين الغدِ الذي أرادوه للوطن.
على المرآة .. الجرحُ ينزفُ من اليمين
في المرآة .. يبقى لون الدمِ .. أحمر
نحاول كلٌّ فيما برعَ فيه أن نبقى أحياء في مدينةِ حَيّة تواجهُ الموت الذي هاجمها من كل حدبٍ وصوب..المدينةُ التي لا ينامُ فيها الغريبُ على ظلهِ واقفاً.. بل ينامُ في قلبها.. في عروقها.. وفي بياض ياسمينها وكأنهُ عطرٌ لفتاةٍ خرجت للتو.. من باب توما..
المدينة التي تكفيك فيها جولة واحدة لتتمكن من بلسمة جراحك..
جولةٌ واحدة تكفيك لكي تملأ قلبك بالحب .. الحب الذي يُنجي من كل هلاك ..
جولةٌ واحدة تكفيك لأن تكون جزءاً منها .. من أبديتها .. من فضيلتها ..من عيون أبنائها .. حيثُ صورُ كل من سقطوا منها .. نحو السماءِ .. لأجلها.
يكفيك أن تدور حول قاسيونها سبع مراتٍ … تخطو خلف أبوابها سبع خطواتٍ .. لتفتح قناة اتصال مباشر مع السماء .. السماء التي تحولت لمدينة تسكنها الأرواح الطاهرة ..
في دمشق تسيرُ الخطى نحو الأمل .. في شوارعها المعتقة بالحب ساعة إيمان .. في دمشق.. لابد وأن يكون الحزنُ جميلاً .. لابد وأن يكون لهُ إلهٌ واحدٌ يظللُ ربوتها .. يسيلُ كالماء في بردى .. ويعشش كالدوري في تراب بيوتها ..لابد وأن يطير كالحمامِ فوق مآذنها وصلبانها ..
لابد وأن يكون إلهاً جميلاً.. بهياً .. شامخاً .. أخضر العينين .. أبيض الوجه ..لابد وأن يلامس رأسهُ يد الله التي ظللت بالأحمر .. شفاه المدينة.. المدينة التي خبأت في جيوبها رسائل العشاق ووعوداً بأن العشق باقٍ وأن الرصاص لا يستطيعُ أن يمنعها من أن تخيط جيوبها .. لرسائل جديدة ..
كان لابد أن يكون جميلاً عندما يتشردُ بعطر الحياة في مدينةٍ .. الحبُ فيها كموسمِ قمح
فالرصاصُ الذي عانق الغيم .. أنجب مطراً من كرامة ..
الكرامة التي شحذت همتنا لخدمة الحياة داخل المدينة
المدينة التي سوَّرَها الجنود كالنارنج .. فكنا كزرع الله في الأرض نرتقي .. بجناحين من زغاريدٍ لأم شهيد .. ونواحِ طفل بات وحيداً ..
دمشقُ التي يباركها إلهٌ على هيئة عَلَم .. ما زالت تشغل مكان الشمسِ في السماء .. لاتغيبُ إلا لتشرق من جديد ..
ونحنُ في دمشق .. ما زلنا نموتُ لنحيا .. فيا إله الحزن الجميل .. بارك موتنا..

دريد أكرم زينو