ثقافة

وأمست الخيانة وجهة نظر

بشار عباس
“أخشى ما أخشاه أن تُصبح الخيانة وجهة نظر” القول ينسبه البعض للروائي الفلسطيني المَجيد غسّان كنفاني، الصانع الأوّل لأدب المسألة الفلسطينيّة، وهو من منحها شرعيّة أدبيّة- فنيّة فاكتسبت لاحقاً شرعيّة في الواقع، فالحقّ في الأدب والفن حقّ في الواقع..
والبعض الآخر ينسبها لناجي العلي، وليس ثمّة فرق كبير، بعض التلاميذ يحق لهم تكرار مقولات معلّميهم، وغسّان هو من اكتشف ناجي وقدّمه للصحافة، ومن صفحات غسّان خرجتْ شخصيّات ناجي المرسومة، علاقتهما الشخصيّة والأدبيّة كانت مثالاً عن العلاقة بين الأدبي وبين التشكيلي، وهذا يفسّر لماذا ينهضان معاً أو يتعرضان معاً للانحطاط في مجتمع من المجتمعات.
لاحقاً وعمّا قليل سواء كانت تلك المقولة للمعلّم أو للتلميذ، فإنّ أخشى ما كان يخشاه غسّان أو ناجي قد تحقّق، وسرعان ما أصبحتْ الخيانة وجهة نظر، ويا ليت الأمر توقّف عند تلك النبوءة. اليوم، يقوم البعض بتجاوز تلك المقولة، فلا يكتفي الواحد منهم باتّخاذ الخيانة وجهة نظر، بل أصبحت لديه وجهة فخر وعلامة تميّز ومصدر سرور ومبعث زهو وغبطة وخيلاء ومكمن إبداع. أصبحت عنده أمراً يصنع القيمة الشخصيّة والإنجاز الفردي والطموح المهني. ولعلّهم يفعلون ذلك لأسباب أدبيّة بحتة، فيعتقدون أن أدب غسّان وفنّ ناجي، كشكل ومضمون، قد عفا عليهما الزمن، لعلّهم يصنّفونهما كـ “نيو- كلاسيكي” وهم اليوم من أتباع “البوست- مودرن” فإنّهم وفاءً منهم لذلك “البوست” رأوا أن يبدّلوا حتّى في الأخلاق!
الاحتمال الأقوى وراء ذلك قد يكمن في إدراكهم لخواء هاوية عجزهم عن الإبداع، وهم تورّطوا وقدّموا أنفسهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين كمشتغلين في مجال الأدب والفنّ، فلا يُمكن عندها أن يتزيّنوا بما يعجزون عن ابتكاره، الحل أن يتزيّنوا بالخيانة، لأنّها كبيرة، وهُم يبحثون عن حجم أكبر بأيّة طريقة، كما أنّها تتضمّن في صميمها جمالية القبح، فيتجمّلون بقبحها.