ثقافة

جئتكِ يا دمشق بعد فرقة وجعٍ وغصة اشتياق

جئتكِ يا دمشق بعد فرقة دهر، بعد غصة ألمٍ ودمعة متحجرة في الأعين.
جئتكِ بألف اشتياق ما زال يسكنني – بألف قصيدة تكتبني على وهج العيد – على وهج كل شيء جميل.
جئتكِ كما الأحرف مشتاقة لنبض المحبة – كما اليمام عندما يحلق فوق مآذن الشام.
جئتكِ يا دمشق أحمل صلاة الأيام –وأشتم طيبة الأحلام ورهافة الآمال.
جئتكِ على وجعٍ، أشتكي حرقة قلبٍ ودمعة يتمٍ وقد بات الزمن غريباً وبتُ غربية عنه لا أعرفه ولا يعرفني، كأنه حكايات من المحبة مضت وبيارق من الألفة ستبقى موجودة كما الياسمين متجذرة بين أوردتنا، كما النهار عندما يغني لنا مواويل عشقه الحزينة.
جئتكِ يا دمشق أسكب دمعي على من رحلوا –أسكب قهري على رغد العيش الذي كان، أسكب قصائدي على جرحكِ الغافي.
جئتكِ يا دمشق أحمل يمام المحبة وأيقونات الجمال – أحمل بوارق الفعل الماضي وما أجمله
ما أرق أناشيده – جئتكِ أسألُ أي القصائد تقرئين؟! وفي أيّ المعاجم تبحثين؟!
جئتكِ أستغفر الله، لمَ روضات الهناء دُمرت، ودوائر الشر اتسعت؟
جئتكِ يا دمشق أشرب نبيذ الدمع المشتاق لكل الأحبة، أتمرد على وجعٍ أصبحنا نعيش على وهج امتداده اللامعقول.
كم أشتاق لذكريات الفعل الماضي.
جئتكِ يا دمشق قصيدة تريد الاغتسال بماء الزنبق – وبخور الألق، جئتُ لكي أرى وجه الأحبة الذي لا يزال عالقاً بسفوح قاسيون – جئتُ أشتم حبقهم المقدس– لا أدري كل شوارعكِ تسألني عنهم –تتلو تراتيل الحزن على فراقهم، أرى ياسمينكِ يبكي على بخور ذكراهم – على كل قلبٍ أثكله وداع الأحبة.
كيف لا نشتاق يا دمشق لمن كانوا ياسمينكِ –شهدك الجوري الذي نعشق –الجوري الذي تقدس عندما رش على نعوشهم.
دمشق يا بنت الجمال القدسي.

أمس كنتِ يا دمشق زائرة منامي –كنتِ حلماً أكبرته الجراح سنوات من التيه في أي الأكوان لا نعرف.
بالأمس كانت أجمل من الجمال بحد ذاته  كانت كما التاريخ الذي وهب نفسه لمجد ذات مرة وأعجبته هذه الفكرة، فكرة الرهبنة بين أحضان الجمال القدسي.
دمشق ارقدي بين الأزمنة المتصارعة – بين حكايا التاريخ النائم هناك، بالأمس أودعتكِ زمناً من الياسمين بكيت عليه وبكى علينا، كان كالحكايا المقفرة بصراخ أزلي كأنه أكل من خبز من لا خبز لهم.
ماذا أخبرهم وقد باتت لغتي خرساء تشبه أزمنة اليتم الحقيقي، تشبه دمع الثكالى وفجر الاشتياق إن حق لنا أن نشتاق.
دمشق هل تشتاقين لماضٍ بعثرت أبجدياته على شط لا بحر له.
دمشق هل تشتاقين لفجرٍ صلاته سرقت –قداسته اغتيلت، هل تشتاقين لماء النقاء الطهور؟!
دمشق كنتُ أبتاع من الأيام صبرها – وتواريخ لا تشبه إلا الزمن الياسميني الناصع البياض.
كنتُ أبتاع جملاً من المحبة رأيتها ترقد بسلام بين جامع بني أمية وكنسية يحيى معمداني،
لا أدري إن كان الوقتُ سانحاً أكثر للتحدث عن جماليات مدينة الأسرار – عن ماء الورد الذي سال عطره ذات يوم.
كنتِ زائرتي  في المنام، أميرة ولدت منذ أول التاريخ وقالت لي: أريدُ الانعتاق والتحرر من  الجديد، أريدُ الانصهار مع معادن الجمال  الحقيقي؟! الألم الذي نعشق وربما من عشقه الحقيقي أصابنا الهذيان؟!
دمشق لا تخجلي إن كبا جوادكِ ذات مرة وتبرّم فؤادكِ من حرقة الألم.
دمشق لا تحزني على خارطة الجمال إن مزقت ذات مرة وانبرى المرام معلول الخاطر.
كما الكنائس والجوامع الكل يبحث يا دمشق عن تراتيل الزمن الياسميني، عن عنبر الكلام الفصيح وقهوة الزمن البريّ. الكل يبحث عن طائرة من ورق كان يلهو بها أطفال القرنفل قبل أن يأتي ثعبان العصر المميت. ويسأل عن دمشق التي لدغت مرات ومرات وعادت كما كانت تبحث عن قمصان النبوءة لكي تمسح بها وجهها من جديد، علها تكون كما رأيتها في الحلم. دمشق التي نعرف ولا نكذب عنها  الخبر. دمشق بنت الجمال القدسي المسترحب مداه.
منال محمد يوسف