ثقافة

اليوبيل الفضي للمعهد العالي للموسيقا.. ماذا بعد خمسة وعشرين عاماً؟

“بالتأكيد سوف نسعى دائماً لتطوير أدائنا وحينما نشعر أننا اكتفينا فهذا يعني التراجع،دائماً لدينا تحديات نريد أن نحوّل كل ما وصلنا إليه إلى عتبة للانطلاق منه”
هكذا أجاب وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل على سؤال “البعث” في الاحتفال باليوبيل الفضي لتأسيس المعهد العالي للموسيقا،ما هو تطلعكم بعد خمسة وعشرين عاماً من تعليم الموسيقا في سورية؟
إجابة السيد الوزير تتزامن مع مفهوم ثقافة المقاومة التي يحتفل بها شعبنا السوري من خلال فعاليات متنوعة،والتي تعني الاستمرارية بالدرجة الأولى،ومواجهة كلّ التحديات في أصعب الأوضاع،وهذا ما قام به المعهد العالي للموسيقا،وما سيقوم به لاحقا.
الاحتفالية التي خرجت عن النمطية والمألوف والارتباط بحيّز مكان محدد أحيّت ذكرى عرّاب الموسيقيين السوريين المايسترو صلحي الوادي الذي حقق حلمه بإقامة هذا المكان الحضاري الراقي الذي أغنى المشهد الثقافي السوري عامةً والموسيقي خاصةً،وأظهرت قدرات الطلاب بدءاً من فرقة آلات النفخ النحاسية التي عزفت النشيد العربي السوري كافتتاحية لتتبع بمقطوعة كوانتيت التي أدتها الوتريات للموسيقي فورجاك إلى المعرض التوثيقي الذي ضم صوراً تختزل مسيرة المعهد من خلال ما قام به المايسترو صلحي الوادي أثناء تدريسه الطلاب،وترؤسه الفرقة الوطنية السيمفونية التي أنشأها عام 1993وكان قائدها الأساسي،إلى التجربة الفعلية التي قامت بها كارمن توكمه جي- الغناء الأوبرالي- بالتواصل مباشرة مع الخبير الموسيقي الإيطالي ماركو فيتالي يرافقها عازف البيانو أنطوني كنوزي،إلى فرقة الآلات التقليدية العود والبزق والناي والرق والكونترباص مع القانون الذي أدى دوره  كصولو بمرافقة الكورال للغناء الشرقي،فقدمت موشح هل وفى بالعهد خلك أم وفى من ألحان عدنان أبو الشامات،إلى موشح قلتُ لما غاب عني من ألحان عمر البطش بقيادة المايسترو عدنان فتح الله،إلى تأدية الكورال فوغ دمشقي تأليف المايسترو حسام الدين بريمو والمستوحى من أجواء الأسواق الشامية،والذي أثار فرح الحاضرين.
الأمر اللافت في الاحتفالية هو الوفاء لصلحي الوادي وكل من رافقه في مسيرته من أساتذة وإداريين،لكن الملفت هو الروح الإنسانية التي يتصف بها العاملون بالمعهد بتكريمهم سمير بركودة  القائم على أعمال التدفئة والإضاءة،ومسؤول الصيانة حسان كوركي والحارس الليلي سمير محمد،هؤلاء الجنود المجهولون الذين ساهموا باستمرارية المعهد والمحافظة عليه قلما تلتفت مؤسسة أخرى لتكريمهم،إلى الفيلم التسجيلي لأشخاص عاصروا صلحي الوادي وتعلموا منه.
الاحتفالية كانت مرحلة زمنية للتأمل بما قدمه المعهد لاسيما في زمن الحرب،إذ استطاع أن يعتمد كلياً على كوادره الوطنية وعلى أساتذته وطلابه بعد سفر الخبراء الروس نتيجة الحرب الدائرة،إضافة إلى رفد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بكوادر جديدة،وتشكيل أوركسترا الموسيقا العربية،وتطور الكورال وأقسام الغناء،وحصول كثير من الخريجين السوريين على جوائز عالمية،وتأسيس فرق صغيرة والاستمرار بتقديم الأمسيات التي لم تتوقف في زمن الحرب رغم صعوبة الأوضاع.
والسؤال ماذا بعد خمسة وعشرين عاماً من الإنجازات التي فاقت التوقعات من حيث الكم والنوع كما قال عميد المعهد العالي للموسيقا المايسترو أندريه معلولي؟فبيّن بأن المعهد يمر بمرحلة نهوض وتطوير بفضل الكوادر الوطنية،ودعم وزارة الثقافة وتفعيل قاعة السكايب للتواصل مع الخبراء العالميين ونقل التجربة الموسيقية السورية إلى العالم والاستفادة من تجارب الآخرين،وأوضح بأن العطاء الفعلي بدا واضحاً في السنوات الخمس الأخيرة في نشر ثقافة الحبّ والجمال بدلاً من ثقافة الجهل والتطرف.
أما الموسيقي رعد خلف فيشعر في هذه الاحتفالية بأنه مع القائمين على المعهد يبدؤون من جديد لسد الثغرات التي ولدتها الأزمة إثر مغادرة بعض الموسيقيين والخبراء في اختصاصات معينة،وضرورة رفد المشهد الموسيقي بكادر جديد لفرقنا الموسيقية،وأكد بأنه توجد لدينا كفاءات شابة جيدة من جميع الاختصاصات،وهذا شيء يدعو إلى التفاؤل بإعادة بناء الإنسان في ظل التطرف الكبير الذي يدور حولنا.
وكما قال المايسترو حسام بريمو في مداخلته على الفيلم التسجيلي بأن المعهد يتطور كل يوم بالمثابرة والاجتهاد والاستزادة،لاسيما فيما يتعلق بالمناهج والتدريس وامتحان قبول الطلاب الذي يوازي امتحان التخرج، وخلال السنوات السابقة تم تطوير سوية خريج المعهد السوري من جيد إلى ممتاز،وأضاف بأنه  بشهادات من خارج سورية فإن خريج المعهد العالي للموسيقا السوري  يحمل علوماً نظرية جيدة وتقنيات رائعة سواء بالعزف أو بالغناء.
وهكذا نستطيع القول إن الاحتفالية ستكون انطلاقة جديدة لبداية تكملها الأجيال القادمة وصولاً إلى اليوبيل الذهبي.
ملده شويكاني