ثقافة

النص وصاحبه

سلوى عباس
من تعريفات الكتابة أنها فعل الحياة الأكثر كثافة، لكن السؤال الذي يحضر هنا، إلى أي مدى يعيش الكاتب ذاته وحقيقته في أي نص يدفع به للمتلقي، ليكون هذا النص مرآته الحقيقية، ويمثله في كل كلمة نطق بها، وكم أقع في مطب الحيرة عندما أجد نفسي أمام أي نتاج ثقافي أو أدبي لا يتناسب ما يحمله من إبداع مع قيم صاحبه وأخلاقه، ما يجعلني أحكم حكماً لا موضوعياً ومجحفاً على هذا النتاج، وبالتالي هذا يخالف المنطق الذي يجب أن ننطلق منه في إطلاق أحكامنا، فهل يقدّم  كتّابنا نصوصهم بتجرد عن شخصياتهم الحياتية التي يجب أن تتجسد سلوكاً يتطابق مع الثقافة التي يحملونها، ففي بعض الكتابات نقرأ حالة تجلّ ذاتية مرصوفة بعبارات جميلة منمّقة ومعبّرة.
لكن في حالة بحثنا عن الحضور الحقيقي لهذه الذات نرى أن ما كتب من كلام في واد، والشخص صاحب النص في وادٍ آخر، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على الانفصام الذي يعانيه الشخص بين ذاته وبين ما يكتب، وبالتالي ينسحب هذا على ما ينتج من أفعال، فالكتابة فعل مقرون بالمسؤولية بالدرجة الأولى، وكل كلمة تصدر عنّا يجب أن نتمثلها فكراً وسلوكاً لتكون تعبيراً حقيقياً عن مكنوناتنا وأفكارنا، فالذات الكاتبة هي نفسها الذات الشخصية، يجب أن تتّحدا في رؤية واحدة، وهنا لا أوافق من يبرر مسألة الاختلاف بينهما، لأن فعل الكتابة ليس إلا ترجمة لما يدور في خلد الذات الشخصية من أفكار ورؤى وقيم، وإذا لم نتمثلها بسلوكنا وممارساتنا، فإننا – ولنعترف بجرأة- نعاني من حالة انفصامية تعكس الشرخ الذي نعانيه على صعيد الحياة ككل، فإن لم تكن كتابتنا مرآة صادقة لذواتنا فإن كل ما نسطره على الورق يحتاج منّا لوقفة نراجع من خلالها أنفسنا ونتاجنا، لتعكس كتابتنا صدقنا وتوافقنا مع واقعنا وما نفكر ونعيش.
وكثيراً ما نرى التناقض واضحاً بين شخصيات بعض الكتّاب وما يقدمون من نتاج، معتبرين –ربما- أن ما يحق لهم لا يحق لغيرهم على اعتبار أنهم رواد المجتمع بما ينتجون من ثقافة وأفكار، لكن المبدع جزء من أفكاره، وأفكاره جزء من أخلاقه، جميعها تكمل بعضها بعضاً، وهناك حالات كثيرة نرى أصحابها لا ينتمون لما ينادون به من أفكار وقيم ويتصرفون بعكس ما يؤمنون، فكيف لهم لا يحترمون مداد القلم الذي يفترض أنه يحمل بعضاً من روحهم يسطرونه على أوراق ستكون إرثاً لأجيال كثيرة، ومن الضروري أن تنظمها المصداقية حتى تكون مرجعاً حقيقياً يغني الفكر والروح معاً، وكيف لا يكونون مخلصين له ويعيشون هذا الإبداع  سلوكاً وفكراً بعيداً عن الانتهازية التي استشرت في الوسط الأدبي والثقافي، فهناك أشخاص متسلّقون ينتهزون أي موقف قد يحصلون منه على أي مكسب حتى لو كان على حساب الآخرين مهما كانوا قريبين منهم، وهنا تتنافى صفة الإبداع والثقافة مع هذا السلوك، لأن الثقافة ليست مجموعة أفكار ننظّر بها أمام الآخرين إنما نعيشها بممارساتنا الحياتية، فهل يمكن أن تكون أفعالنا متلازمة مع أقوالنا في الحياة كما في الإبداع، وأن يكون ما ننتجه من ثقافة وفكر يليق أن يكون مرجعاً للأجيال القادمة.