ثقافة

“لوفكة” صحفية

ماذا يمكن أن يقال لـ “الصحفي، الصحفية” الذي يذهب لتغطية أي نشاط ثقافي، سواء كان عملا مسرحيا أو فيلما سينمائيا أو أمسية شعرية وغيرها من هذه النشاطات الوافرة لدينا وبكثرة لا تصدق، ثم وهو بلا أي خبرة نقدية فيما ذهب إليه، يكيل المدائح وصفات التفخيم والتعظيم بما رأى وشاهد على حد سواء، أي سينما أو مسرح أو شعر أو فن تشكيلي “ولا تشكيلي ولا ببكيلك” سواء كان ما شاهده يستحق هذه “التدبيجات” الجاهزة من الكلمات المحشودة لهذا الغرض سلفا، أو لا يستحق حتى عناء إبداء الرأي فيه – وما أكثر أحد النوعين الآن-، وهو “أي الصحفي-ة” لا يدرك خطورة ما يذهب إليه بتقديمه صفات إيجابية كثيرة ومجانية لا مبرر لها، سواء كان مبررا نقديا أو حتى عائدا للذوق الشخصي، يعني بالله عليكم يا “أهل الرأي” هذا “الصحفي- الصحفية” أين يحيا وماذا يظن أنه فاعل في هذا؟ يكون المطلوب إليه تغطية خبرية، فيأخذه الحماس الزائف ويذهب صاحبنا مذهبا متطرفا يصل حد المغالاة في كيل المدائح، ظاناً أنه هكذا يجب أن يفعل؟ أو هذا ما هو مطلوب منه، وما فعل الصحافة الثقافية أصلا في رأيه إن لم تكن مدحا وتفخيما لا ينقطع مدده “البوحي” إلا عندما يتعلم كيف يكتب مادة نقدية متوازنة بلا مصائب يتركها خلفه بين السطور، أو يريحه الله ويريح القراء من هذا البلاء، فإن كان صحفي صار عضو مجلس محافظة مثلا أو موظفا في شأن ما يليق بقيافته ورهافته، وإن كانت صحفية تزوجت وكفى الله الصحفيات شر التغطيات!.
الغريب أن السياسة التحريرية لمعظم وسائلنا الإعلامية الورقية بالتحديد، تغيرت وكثيرا، ولدينا في هذا أكثر من مثال، فلم يعد مطلوبا من الصحفي إلا أن يكون مهنيا، بغض النظر عن أي شيء آخر، هذا فيما يخص مؤسسته، أما فيما يخصه شخصيا، فلا منطق مفهوماً في إقدامه على هذا الفعل، إلا من منطلق منفعته الشخصية، وهذا شأن آخر، سيكون للتاريخ فيه كلمته لاريب.
أما المحير في حال كان الأمر بحكم العادة والدربة، فهو ما دليل كل مشتغل بالقطاع الإعلامي بصفة صحفية، على أن ما قام به هو عين العقل؟، عدا عن كون ما كتبه في صفحاتنا الثقافية، لم يصدقه حتى من كتب هو عنهم ما كتب، – أخبرني أحد الكُتاب أنه قرأ مقالا عن كتاب له في إحدى وسائلنا الإعلامية، قال لي: والله ما من علاقة بين ما قرأت وبين كتابي، حتى أن في المقال ما ليس موجودا في الكتاب!- ربما يعتقد أن توجيه دعوة له مرة أخرى لحضور ذاك العرض المسرحي أو السينمائي أو الشعري أو غيره، هو تأكيد على موهبته وتقدير من دعاه لها، ولكن هل هذا حقيقي؟ أنتم تعرفون. المصيبة أنه حتى لو عرف الحقيقة لكنه في كل مرة مستعد لأن يطلق العبارات الرنانة وغيرها من عبارات “اللوفكة” الصحفية قبل حتى أن يحضر ما دعي إليه! وقلة هي الأقلام التي تُرفع لأجلها القبعة، لاحترامها ذاتها أولا والقراء ثانيا.
هذا الحال ليس جديدا لا في هذا الزمان، ولا في غيره من الأزمان، فلطالما وجد من انبرى دون قيد ولا شرط أو إغراء أو حتى تكليف، لكيل المديح في نتاج ثقافي ما، سواء كان يستحق أم لا! وهؤلاء نسميهم في هذا الزمان بـ “الملوفكيين” – جمع ملوفك- وما أكثرهم يا سادة، ما أكثرهم!.
تمّام علي بركات