ثقافة

براءة الذئاب

بشرى الحكيم

لا يمكن لإعلام ما أن يستحق صك براءة في توجهاته؛ وفي أي من ميادينه؟! حتى تلك المدموغة بختم التسلية. وبرنامج محبوب العرب “أرب أيدول” واحد منها، تكمن خطورته أو أهميته من كونه يحظى بنسب مشاهدة كبيرة، ومن تابع البرنامج في موسمه الحالي في حلقاته التحضيرية، أو حتى في المواسم السابقة يمكن له أن يلحظ كيف يمكن التلاعب بالأوراق من خلال مادة هي نوع من الترفيه والبحث عن المواهب، وكيف يمكن للأمر أن يتحول إلى ساح للتصويب وتوجيه الرسائل، خصوصاً إن تبدت ملامح ضعف على مفاصل البرنامج، الأمر الذي حدا بها إلى البحث عن أوراق يمكنها رفع حظوظ نجاحها.

وهي لم تتوان “بينما تفاخر بأنها توحد العرب حول شاشتها” عن المتاجرة بإحدى أهم قضاياهم، في سبيل جذب أكبر عدد من المتابعين، وبالتالي أكبر عدد من المساهمين في زيادة أرباحها ومردود خزائنها، ولم يكن محمد عساف في موسم سابق سوى وسيلتها، إذ عملت على تحويل الحالة الفنية إلى حالة وطنية وقومية تستدعي التجييش الشعبي والجماهيري، واستثارة الهمم للتصويت لمن اعتبر بطلاً قومياً للمتعطشين لفرح الانتصارات النادرة، وليس أسهل من استثارة هذا الوجدان وتلك العاطفة، حتى لو استدعى الأمر مظاهرات لشحذ الهمم والأصوات ومسيرات تؤيد وتدعم الأبطال الميامين. ولا ننسى ابن حلب حازم الشريف، بينما اليوم تعزف على وتر اليمن الدامع الذي يبحث أهله عودة لسعادته المصادرة، من خلال موهبة يمنية “لا يضاهي براءة التركيز عليها، إلا براءة ذئابهم من دمنا” والدفع الملحوظ بها إلى النهائيات، فإن كان الفوز فهو صورة المترفع عن الخلافات السياسية، وإن لم يكن ففوز أحد الصوتين المنافسين، هو الدعم لفلسطين الجريحة، بينما التصويت الكثيف من أي جهة كانت لا ضرر منه!.

هل يمكن لوسيلة إعلامية أن تنأى بالمطلق عن اللعبة السياسية، وأن ترتدي ثوب الحيادية والموضوعية والحرية المطلقة بأمانة تامة؟ لا سيما في المرئي منها.

ما نعلمه ونراه بأعين المتابعين والعارفين، أن لا بلداً تترك “حبل إعلامها على الغارب” حتى الخاص منه، فلا تراقبه ولا تقيده؛ أقله بقيد الأخلاقيات؛ وتعمل على توجيهه حتى في أشد حالات الرخاء، ولا تستخدمه في الصدامات الإعلامية والنفسية، فكيف بها في حال الحرب الفعلية والحقيقية، أليس الأحرى أن يكون أداة مواجهة ودريئة نفسية، وحيث تستغل كل الأسلحة الممكنة في مواجهتها من منطلق الحرص والخشية على قيمة إنسانها المهدورة، تهمة جاهزة لإعلامنا يحاول البعض توظيفها.

الحرص على قيمة الإنسان في بلد يتم دعم من يقاتله، في كل شيء؛ وفي أهم معطيات حياته، فيقطع عن إنسانه ذو القيمة التي لا يعرفونها؛ أول أسباب حياته، يهدمون السقف والجدار الذي يأويه، ويرمون بجثته بعد التنكيل والتشويه في النهر الذي يشرب ماءه، ينفذون إعداماتهم مصورة موثقة، ويرسلون أفلامهم هدايا تمعن في التنكيل بالآباء والأمهات، ثم يُطرح التساؤل البريء “ألا يخضع إعلامكم للتوجيه والمراقبة، ويوظف سلاحاً في وجه الآخر!.

إذن إلى متى نوفر الأسلحة؟! أليست تكنز للحروب والدفاع عن القضايا الكبرى، في بداية الحرب انطلقت دعوات عديدة لاستعادة الأناشيد والأغاني الوطنية على شاشاتنا كما كانت خلال حرب تشرين، ألسنا في حالة حرب؟! ليتنا نفعل، على الأقل؛ كي نستحق التهمة فعلاً!.