ثقافة

جنباً إلى جنب!!

بشرى الحكيم

بعد وفاة الكاتب التشيكي “فرانز كافكا” في العام 1924؛ وانتقال مكتبته ومخطوطاته إلى” أستير هوف” التي اعتبرت الوريثة الشرعية، ومن بعدها إلى بناتها، قامت أستير؛ ببيع بعض المخطوطات الشهيرة بمبلغ فاق المليوني دولار، بينما احتفظت الفتيات بما تبقى من نتاجه في البنوك كمقتنيات ثمينة يخشى عليها. لكن الأمر أثار حفيظة الكيان الصهيوني الذي رأى في تركة كافكا “ككاتب يهودي” تراثاً إسرائيلياً رافضاً احتفاظ الورثة الشرعيين بها. وبعد معارك قانونية استمرت لمدة تقارب الثماني سنوات، قضت المحكمة باسترداد كل المجموعات الأدبية الخاصة بالكاتب المثير للجدل، والذي كان في الأساس؛ قد أوصى أن يكون الحرق مصير مخطوطاته غير المطبوعة منها، وهو الحال الذي آلت إليه العديد من كتب الروائي الروسي” فلاديمير نابوكوف”، بينما تجاوز غابرييل غارسيا ماركيز إبداعه الأدبي وفكر بالمعنى الحقيقي للحياة: “لو نسي الله للحظة أني مجرد دمية تافهة، وأهداني قطعة من الحياة، عندها لن أبوح بكل ما أفكر به، ولكنني حتماً سأفكر في كل ما أتفوه به”.

في حياته أهدى فاخر عاقل مكتبته التي تجاوزت 4500 كتاب إلى المكتبة الوطنية في دمشق، ورغم كل ما ناله من تبعات الحرب الحالية؛ لم يتردد المخرج علاء الدين كوكش عن وهب مكتبته التي ضمت أكثر من 30 ألف عنوان إلى المكتبة الوطنية التربوية.

هي مصائر مختلفة ووصايا البعض من الكتّاب، تعكس حيناً حس الانتماء والمواطنة، أو تكون رد فعل يتأتى من الشعور بالإهمال وعدم الاحتفاء اللائق به وبإبداعه من قبل المؤسسات الرسمية، أو قد تكون نوعاً من لفت النظر والخروج إلى دائرة الضوء عبر وصايا غريبة لجأ إليها العديد من الكتاب والأدباء والفنانين؛ عرباً وأجانب على السواء فجاءت أحياناً بالنتيجة المرجوة شهرة تتجاوز الإبداع ذاته.

وهكذا عندما “تفوّه” سعد الله ونوس وهمس لأقرب الناس إليه بتساؤلاته وقلقه حول مآل أعماله ومحتويات مكتبته العزيزة، هل كان فكر للحظة أن  يكفر بالبلاد ويغادر بها متخفية، كما الهارب من إثم اقترفه. “كتبْ سعد الله ونوس عبرتْ الحدود إلى لبنان من سورية مثل لاجئين مختبئين في شاحنة” هكذا وصفت الصحافة العربية الأمر؛ هل كان خطر في ذهنه، أن مآلها الأخير سيكون عبور الحدود كأي لاجئ تعيس، أترانا لم نحتفِ به كما يليق، هل هي “الهدية التي كان ينتظرها في عيده الخامس والسبعين”

لا قانون يحكم الأمر، إلا القليل من “حس الانتماء” للأرض والتراب الذي رعى بذرة الموهبة واحتفى بها وهي تنمو وتثمر، وشيئ من الإيمان الحقيقي بأن ما يتركه المبدع هو تراث وثروة وطنية ليس لأحد الحق بالعبث بمصيرها، وعلى أمل ألا يكون رفض الجهات الثقافية تبني المكتبة بحجة أن الأمر ليس مدرجاً في حساباتهم، حقيقياً، هل يحق لأي كان وتحت أي من الظروف، وضع سعد الله ونوس موضع شبهة في فكره أو انتمائه، فهو رغم اللوم والعتب الذي حمله في قلبه إلى الكثيرين، لكنه لم يعتبرهم أعداء له، بل كانوا الآخر الذي يتشارك معه الحياة على الأرض ذاتها، لم يكن البلد عدواً فيستحق الطعنة.

لا شيء مؤكد؛ ولكن الأكيد أن طلاب الجامعة الأمريكية سيفخرون بوجود كتبه في متناول أيديهم، وبالتأكيد أيضاً؛ ستكون روحه كسيرة كلما تذكرت أنها على الرفوف جنباً إلى جنب مع كتبٍ تفخر الجامعة بوجودها أيضاً؛ لألد أعداء وجوده.