ثقافة

الإبادة الأرمنية طالت الثقافة والتراث والأوابد

الاحتفالية الثانية بعد المئة لذكرى الإبادة الأرمنية-1915- التي أقامتها مطرانية الأرمن الأرثوذوكس في دمشق بالتعاون مع جامعة دمشق في قاعة رضا سعيد بإدارة الإعلامية بيرادو كريكوريان بعنوان “العثمانيون خلال قرن” كانت ندوة حوارية ربطت بين المحرقة الأرمنية والجرائم التي تحدث على أرض سورية، والتي طالت الحجر والإنسان، وأشارت إلى الدور الصهيوني في الماضي والحاضر، وإلى الإبادة الثقافية بشكل خاص.

الجريمة العظمى وأردوغان
نغمات آلة الدودك –الآلة الشعبية الأرمنية- التي يطلق عليها نغمات الناي الحزين ترجمت الكثير من أوجاع الأرمن، وكان لها دور درامي في الصراع من أجل البقاء في الفيلم التوثيقي الذي بدأت به الاحتفالية بعنوان “الجريمة العظمى” فمضى سياقه الدرامي وفق مشهدين في زمن واحد من خلال تقنية المونتاج التي جمعت بين فظاعة وقسوة مشاهد الإبادة وأساليب القتل الجماعي، والهجوم على قوافل الناجين من هول الإبادة، إلى اجتماعات السلطان عبد الحميد ورجال الدولة العثمانية للتخطيط الممنهج لإبادة شعب بأكمله والقضاء على تراثه وهويته، لينتقل الفيلم إلى الزمن الفعلي له إلى الواقع الراهن من خلال تصوير مشاهد لأردوغان الذي أعاد جرائم المحرقة الأرمنية بدعمه تنظيم داعش، لينتهي بمشاهد النصب التذكاري لشهداء الأرمن في سورية وبلاد الشتات تأكيداً على شعار نتذكر ونطالب ولن ننسى.

إرادة جديدة
وأشار المطران آرماش نالبنديان إلى أن احتفال الأرمن بالذكرى الثانية بعد المئة  لشهداء الأرمن القديسين وللإبادة الأرمنية، بإرادة جديدة للتأكيد على المطالبة بالعدالة وبحق الشعب الأرمني، اعتراضاً على القول التركي بأنه بعد مئة عام لاتوجد محاكمة دولية، ويمثل هذا الاحتفال جسراً لمتابعة القضية الأرمنية، ولمطالبتنا الحكومة السورية بإدانة تركيا والاعتراف بجريمة الإبادة، لأن سورية الشاهد الأول على هذه الجريمة، كي لاتتكرر كما تكررت في مطلع القرن الواحد والعشرين في سورية.

ضياع التراث الأرمني
وتحدث د. سركيس بورنزسيان ضمن محور”السياق والإرث لجريمة الإبادة” بأن الإبادة لم تكن بشرية واقتصادية، وإنما ثقافية أيضاً إذ سُرق من الأرمن إرثهم الحضاري الذي امتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام ففقد التراث الثقافي المادي كاملا،ً وتم تخريب ما يقارب ألفي كنيسة، إضافة إلى تدمير الآثار الفنية والمواقع التاريخية، واضمحل التراث اللامادي بالقضاء على  جزء كبير منه، وما أنقذه الأرمن كان جزءاً من ذاكرتهم الجماعية التي تمثل لغتهم وأغنياتهم وأشعارهم وقدرهم المأساوي الذي بات جزءاً من ثقافتهم، ليخلص الباحث إلى أن الإبادة الثقافية أدت إلى فقدان الوطن والتراث ولم يبق إلا الذاكرة كآخر معقل للهوية الأرمنية.

دور اليهود بالإبادة
وأشار د. خشادور قصباريان ضمن محور”الأسباب الحقيقية للإبادة” إلى أن الإبادة الأرمنية مخطط لها ورسمت خطوطها في القرن التاسع عشر إبان حكم السلطان الأحمر- عبد الحميد الثاني-لاتعود إلى أسباب دينية وإنما إلى أسباب سياسية بحتة، وتطرق إلى فكرة هامة لم يتم تناولها في الفعاليات السابقة وهي دور اليهود القوي بإحداث الإبادة الذي يعود إلى عام 1892حينما طلبوا من السلطان عبد الحميد التنازل عن فلسطين لليهود مقابل دعمهم المادي، لكن السلطان عبد الحميد رفض التنازل عن جزئية في إمبراطورية مترامية الأطراف، وبعد أن فشلوا عملوا على تحريض يهود اليونان واستغلوا علاقاتهم مع يهود أوروبا وحرضوا أعوانهم في حزب الاتحاد والترقي لإزالة الأرمن من الوجود لمصلحتهم القومية، وحينما ضعفت الدولة العثمانية التي أطلق عليها الرجل المريض، وجدوا فرصة مناسبة لتنفيذ مخططهم.

تدمير داعش الآثار السورية
وربطت العميد عدنة خيربيك ضمن محور”تآمر العثمانيين الجدد على بلدنا” بين جرائم الإبادة الأرمنية وما يحدث على أرض سورية مبتدئة بمقولة “عدو جدك مايودك”، في إشارة إلى الحقد العثماني الصهيوني على العقول المبدعة في المنطقة، وشنّ الحروب على الثقافة والتاريخ والحضارة والعمران، وركزت على ما حدث في حلب وعلى تدمير الأوابد التاريخية فيها، مؤكدة على الدور الخفي للصهيونية الرامية إلى محو تاريخ أمتنا، ثم تحدثت عن فظاعة الجرائم التي حدثت على أرض سورية والتي يكرر من خلالها العثمانيون جرائم الإبادة، فذكرتها موثقة بإحصائيات دقيقة، مؤكدة أن تحقيق النصر وتحرير حلب من الإرهاب يضع حداً لأطماع السلاجقة في اقتطاع أراض جديدة بعد جريمة اقتطاع لواء اسكندرون. وأنهت حديثها بالتأكيد على دور الأسرة والمدارس والجامعات في تربية الجيل الجديد على الولاء للوطن، وتفعيل دور المنظمات الشعبية والأهلية لتقوم بدورها في حماية مؤسسات الدولة.
ملده شويكاني