ثقافة

الكاريكاتور المتلفـز

تبدأ مهمة رسام الكاريكاتور الحقيقية في التصوير والعرض والقتال من أجل التغيير نحو الأفضل. ولفت نظر المنهمكين في الشكليات إلى رؤية واقعية صحيحة والابتعاد عن الحالات المفتقرة إلى المعنى، عارضاً بعض الجوانب، وفاتحاً باب الأسئلة، ومحرضاً العقول، وراسماً الابتسامة، دون أن تكون الغاية منها الإضحاك، بقدر ما هي الرسالة المراد إيصالها إلى الناس وتوصيفاً للواقع المعيش بكل حذافيره، والكشف عن أغلب الجوانب الإنسانية والعلاقات البشرية المشوهة أحياناً. وبذلك يصير نجاح الكاريكاتور رهناً بوصول الفكرة إلى المتلقي على اختلاف طرق التعبير وأدوات الفنان الخاصة.
إذن، يمتلك فن الكاريكاتور القدرة على معاصرة المجتمعات ومواكبة تطوراتها وتفاصيل يومياتها، وهو أمر نستطيع أن نتلمّسه بمتابعة ما يصدر في العالم من صحف  ومجلات، حيث نجد أنّ الكاريكاتور يشكّل عنصراً ثابتاً في بناء الصحيفة أو المجلة.
وتختلف الآراء حول أهمية الكاريكاتور وتأثيره على الناس بمستوياتهم الفكرية كافة. وهذا الكلام يتطابق مع قول أحد الفلاسفة من زعماء المذهب الحواسي: (هناك فرق بين الرؤية والنظر). فالأعمى ينظر ولكنه لا يرى، والناس يرون الأشياء بعيون مختلفة ومن زوايا متعددة في سياق فهم جدلية الحياة ومواقفها.
وهنا، يمكننا القول إنّ الرسم الكاريكاتوري لا يعدُّ صعباً لمن يجهل الرسم على عكس من يعرفه.
وما نودّ الحديث والولوج في تفاصيله هو دور الإعلام البنّاء في رسم ملامح جديدة لفن الكاريكاتور الذي بدأ يأخذ حقه الكبير في شاشتنا الصغيرة.
نعم، هي خطوة هامة يقوم بها التلفزيون العربي السوري في مسيرة دعم الأعمال الثقافية والفنية عموماً والكاريكاتور خصوصاً. وسبق أن كتبتُ عن قطار الإعلام، وقلتُ إنّ حاجتنا كبيرة عند تعاملنا مع اللحظة وتلقفها إلى نهوض جديد، وفكر يحمل شمس الإعلام في هذا الزمن القاتم والقادمات من الأيام. فمنذ زمن، وضمن تفاعلها وتقديم الممكن على الصعيد الفني، قدّمت القناة الأولى(سابقاً) في التلفزيون العربي السوري فقرة الكاريكاتور المباشر”برنامج نهار جديد”، إضافة إلى برنامج “صحافة متلفزة”، الذي عُرضت فيه أهم الرسوم العربية والعالمية المواكبة للأحداث المعبّرة عن نبض الشارع ويومياته.. ولا ننسى أيضاً أنّ قناة “تلاقي” قبل إغلاقها دأبت على تقديم فقرة كاريكاتورية يومية في برنامجها الصباحي إيماناً منها بقيمة الفن عموماً والكاريكاتور على وجه الخصوص. واليوم، نتابع تجذير ثقافة الكاريكاتور في برنامج مباشر من دمشق، فقرة “الكلام عليكم”.
دقائق تختزل المَشاهِدَ بجرّة حبر.. تحاكي الواقع بشجاعة طالما تعبّر عن موقف متأصل مع الأحداث.
خطوة هامة مشبعة بفكر متجدد منطلق، ينقل المشاهد إلى واحة بصرية أخرى، وتشكّل حالة لافتة في التواصل المعرفي من أول خطٍ حُفِرَ على جدران الكهوف والمعابد إلى أعمدة الصحافة وشاشات التلفزة. خطوة نتمنى أن تستمر في التلفزيون السوري.. وأن تتوسع دائرة الضوء على فن يلامس الهموم بأسلوب متفرد في عالم التواصل الخلاق.. إلى جانب صحفنا المحلية (المقصّرة) بهدف نشر ثقافة فن الكاريكاتور وإيصال رسالتنا الحضارية الواضحة المعالم والدلالات إلى العالم في مسيرة التطوير الإعلامي تحت شعار واسع الطيف (لنرسم العالم معاً).
رائد خليل