ثقافة

“تحيا الموسيقى”

جمان بركات

استمر مايسترو السفينة الشهيرة الغارقة “التاتينك” وعازفو الكمان بالعزف أحلى وأجمل المقطوعات الموسيقية، وبقي أحد العازفين يغني على ظهر السفينة مع زملائه لعدة ساعات أثناء غرقها، هذا المشهد الذي واصل به هؤلاء الأشخاص العزف والغناء محاولة منهم لإبقاء الناس هادئين في مواجهة الموت، ليس سوى دليل على تمسكهم بالأشياء الجميلة التي أحبوها خلال حياتهم رغم الفوضى العارمة التي حلت بالسفينة، وللأسف لقوا حتفهم جميعاً، ومع ذلك ظهروا بمظهر الأبطال الحقيقيين المتمسكين بالحياة لآخر لحظة  من خلال آلاتهم ومقطوعاتهم التي نسوا فيها كل لحظات الخوف من الموت، معبرين عن أن “الموسيقى هي غذاء الروح”.

يقول روبرت شومان “إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب، استمع إلى موسيقاها” فما هو الحكم المنطقي على أشخاص يحرقون آلات موسيقية؟ وما الذي يجول في فكر من يقتل العازفين بتهمة أن الموسيقى “حرام” وهي من صنع الغرب؟ وأن الآلات الموسيقية مخالفة للإسلام، ويجب حرقها وفق الشريعة الإسلامية؟، حيث يأمر المفتي بحرق آلآت الفرقة الموسيقية وقتل أحد أعضائها في إحدى حلقات مسلسل “غرابيب سود”، ومع أن المشهد هو نتاج عملية مونتاج وغير حقيقي إلا أن لحظة اندلاع النار داخل حفرة كبيرة مليئة بالآلات الموسيقية مختلفة كانت وكأن ناراً حقيقية اشتعلت في القلوب، وعزف الموسيقيون الأربعة لآخر مقطوعة هي دليل أن خيارهم في الحياة والموت هو الموسيقى فقط، وأن البقاء بدونها ليس خياراً.. الموت أفضل. فـ”الموسيقى هي ابنة الملامح الصامتة، ووليدة العواطف الكاشفة عن نفسية الإنسان الواعي لحقيقة ما”، وهي لغة النفوس تطرق أبواب المشاعر، إضافة إلى أنها تنبه الذاكرة، وهي “ليست فقط لغة العواطف وإنما لغة الفكر أيضاً، تسمو بسمو الإنسان وترقى برقيه” كما يقول جبران خليل جبران.

في 21 حزيران من كل عام يحتفل الفرنسيون بعيد الموسيقى، وفي هذا العام، أقبلت السيدة فيروز من زمنها الجميل لتدشّن صيفنا كنسمة عليلة، عادت حائرة تحاكي النجمة والليل والحور العتيق، عادت وما زالت تطرح إشكاليات غامضة ومبهمة بأساليب عصرية خلّدت فيها عاصي ومنصور الرحباني، غنت فكر زياد من قبل، واليوم تعود عبر ريما مقتطفة من كل ذاكرة كلمة متسائلة “لمين؟” مواسية بصوتها كل من “لديه حنين.. بس بيعرف لمين”، في النهاية عاشت الموسيقى، وعاشت فيروز في كل حالاتها.